التفاسير

< >
عرض

لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ
٢٧٣
-البقرة

تيسير التفسير

{ لِلْفُقَرَآءِ } اجعلوا من صدقاتكم أو نفقاتكم لهؤلاء الفقراء، وخصهم بالذكر تنويها بشأنهم وترغيبا فى حالهم، واجعلوا لغيرهم، أو الآية لهم فقط، وأما غيرهم فمن الآى الأخر والأحاديث، أى صدقاتكم المذكورة لهم، أو اجعلوا ما تنفقون لهم، أو اعمدوا لهم، كأنه قيل، لمن هذه الصدقات؟ فقال: هى للفقراء والأولى أولى، كام إذا شرعت فى ذكر من يتأهل للصدقة، فقلت: أعط زيداً، أعط عمراً، ولست تريد الحصر فيهما، ويبعد تعليقه بقوله تنفقوا للفصل بالجواب، وعليه فالتأخير لطول الكلا عليهم { الَّذِينَ أُحْصِرُواْ فِى سَبِيلِ اللهِ } أحصروا أنفسهم فى الجهاد والعمل لمرضاة الله عن الكسب، أو حصرهم الجهاد والعمل، وهو على عمومه لوجود الوصف فى غير أهل الصفة، ودخل أهل الصفة فيه دخولا أوليا، وكانوا نحو أربعمائة من فقراء المهاجرين، وعبارة بعض، نحوا من ثلاثمائة، ويزيدون ونيقصون، وأكثرهم من قريش، وهم فقراء لا مساكن لهم ولا مال ولا عشيرة ولا أزواج فى المدينة، سكنوا صفة المسجد، بضم الصاد وشد الفاء، وهى موضع متطاول على الأرض مسقف، يتعلمون القرآن ليلا، كارهون لفرقته صلى الله عليه وسلم، ويرضخون النوى نهاراً بأجرة، ويصنعون ما أمكن لهم من الصنعة الخفيفة، كصنعة الخوص والخياطة، ويخرجون للغزو فى كل سرية أو عسكر، وقيل، قوم جرحوا فى سبيل الله عز وجل، وعنه صلى الله عليه وسلم: ليس المسكين الذى ترده التمرة والتمرتان، واللقمة واللقمتان، إنما المسكين الذى يتعفف، اقرأوا إن شئتم لا يسألون الناس إلحافا، يعنى الضر الذى يلحق المتعفف فوق الضر الذى يلحق المسكين الذى يظهر المسكنة فيعطى { لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً } ذهابا { فِى الأَرْضِ } للتجر، لا يجدون ذلك من أنفسهم، وهم أصحاء، لأنهم مولعون برؤية النبى صلى الله عليه وسلم والجهاد { يَحْسَبُهُمُ } بظنهم { الْجَاهِلُ } لفقرهم { أَغْنِيَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِ } لتعففهم عن المسألة، وهو ترك الشىء والإعراض عنه مع العدرة عليه، وهو هنا ترك السؤال، وترك التلويح، وترك الطمع، وما يشعر به، وهو أبلغ من العفة، ومن للتعليل متعلق بيحسب، وأجيز كونها للابتداء، لأن حسبانهم أغنياء نشأ من التعفف، حتى إنهم يسقطون خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصلاة للجوع، ويحسبهم الأعراب لذلك من المجانين، قال أبو هريرة: من أهل الصفة سبعون رجلا ليس لواحد منهم رداء { تَعْرِفُهُمْ } يا محمد، وبا كل من يصلح للمعرفة، أى تعرف صلاحهم المدلول عليه بالمقام { بِسِيمَٰهُمْ } بعلامتهم من التواضع وتحمل شدة الحاجة وتعففهم وحبس أنفسهم على العبادة والجهاد وترك الإلحاح فى مؤاجرتهم إذا استؤجروا، أو تعرف فقرهم بعلامتهم، وهى لباسهم وشحوبهم وظهور جوعهم، فمن لم ينظر فى ذلك ظنهم أغيناء، ومن نظر فيه بعد ذلك، أو من أول عرف فقرهم، وليس السيمة مقلوبة من الوسم، بمعنى جعل العلامة، أخرت الواو عن السين المسكورة، فقلبت ياء، بوزة عقلة، لوجود التصرف فيها بمعنى العلامة، كقوله تعالى: { { والخيل المسومة } [آل عمران: 14] أى المعلمة، كما جعلت كتب اللغة القديمة والجديدة السيماء فى باب فاء السين وعين الواو { لاَ يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً } إلحاحاً، بل إذا ألجأتهم ضرورة سألوا بلا إلحاح، وهذا مدح عظيم، بأنهم لم يصدر منهم إلحاح ولو اضطروا، ومن شأنه ذلك لا يسأل لغير ضرورة، أو لا سؤال ولا إلحاح لظهور التعفف وظن الجاهل أنهم أغنياء كما قال ابن عباس رضى الله عنه، نفياً للقيد والمقيد معا، لجواز ذلك، ولو لم يكن القيد لازما للمقيد، أو كاللازم إذا كان فى الكلام ما يقتضيه، وفى الآية ما يقتضيه، فإن التعفف حتى يظنوا أغنياء يقتضى عدم السؤال، وأيضا لو سألوا لعرفوا بالسؤال، واستغنى بالعرفان بالسيماء، وأقول الباب لا شرط سوى ظهور المراد، ومن ذلك قوله: { { بغير عمد ترونها } [الرعد: 2 لقمان: 10] فإنه لا عمد ولا رؤية لها، وإلحافا معمول ليسأل لتضمنه فى الآية يلحف، أو يقدر سؤال إلحاف بتقدير مضاف، أو حال، أى ذوى إلحاف، أو مفعول مطلق لحال محذوف، أو ملحفين إلحافا { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ } ترغيب فى الصدقة ولا سيما على هؤلاء.