التفاسير

< >
عرض

وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٱكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
٥٧
-البقرة

تيسير التفسير

{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ } أى جعلناه ظلة عليكم من حر الشمس، وهو السحاب الرقيق، يسير بسيرهم فى التيه، أمرهم الله بقتال الجبارين، فقالوا اذهب أنت وربك فقاتلا، فحبسهم الله فى التيه، وكانوا يسيرون ليلا ونهاراً، وينزل عليهم عمود من نور يَسيرون فى ضوئه، وثيابهم لا تنسخ ولا تبلى، وذلك من الله، لا كما قيل لا تبلى لعدم الحرارة، ولا تنسخ لعدم الدخان، والتيه واد بين الشام ومصر، فيه طرق لا رمل فيها، بين جبال من رمل يمشى فيها الركب المصرى والمغربى والشامى، عرضه تسعة فراسخ فى ثلاثين فرسخا، وقيل ستة فراسخ فى اثنى عشر فرسخا، وقيل خرجوا من التيه فوقعوا فى صحراء، واشتكوا الحر فظللهم الله عز وجل بالغمام، وقيل من عبدالله منهم ثلاثين سنة ولم يعص فيها أظله الغمام، فكان ذلك لجماعة منهم { وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ } فى التيه { الْمَنَّ } الرنجين بالمثناة الفوقية والراء المهملة والجيم الموحدة والمثناة التحتية النون، لفظ يونانى تستعمله الأطباء، ويقال معرب ترتكين، وهو شىء يشبه الصمغ، حلو مع بعض حموضة، وينزل على الأشجار قليلا إلى الآن فى بوادى تركستان، وهو مشهور فى بلدة آمد وحواليها، شهر فيهم بحلوة القدرة، وقد أمروا فى التيه أن لا يأخذوا أكثر من صاع كل يوم ولا يدخروا الزيادة إلا يوم الجمعة، فيأخذون فيه صاعين ليدخروا ليوم السبت، فإنه لا ينزل يوم السبت { وَالسَّلْوَى } طائرٌ يشبه السمان أو هما السمان، وألفه ليست للتأنيث لورود سلواة، قلبت هذه التاء للوحدة لا للتأنيث، وقيل هو واحد والجمع سلاوة، وقيل هو للواحد فصاعدا، تبعثه عليهم ريح الجنوب، فيذبح الرجل ما يكفيه على حد ما مر فى المن، ويطير الباقى وذلك بكرة وعشية، أو متى شاءوا وادخروا من المن والسلوى فأصاب النتن ما ادخروا وفى البخارى ومسلم عن أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم، "لولا بنو إسرائيل لم تخز اللحم" . الحديث، ويروى أن السلوى تجيئهم مطبوخة أو مشوية، قيل ويناسبه الحديث المذكور، لأن التغيير أنسب بالمطبوخ، وهو أعظم معجزة قلت كما يخنز المطبوخ يخنز غير المطبوخ ولا تثبت المعجزة بلا دليل قوى، وقدم المن مع أنه حلوى على السلوى مع أنها غذاء، لأن نزوله من السماء خارق للعادة بخلاف الطير قائلين لكم { كُلُوا مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٰكُمْ } المن والسلوى طيبان، طيب لذة وطيب حلال وطيب مجىء بلا كسب، فكفروا النعمة وادخروا فقطا عن حالهما فصارا يدوران ويختزان، ولو بلا ادخار، وعاشوا بهما كذلك، وإذا وضع الطعام بين يديك فقيل لا تأكل حتى يقول حامله إليك كل لمناسبة الآية، وقيل لك الأكل بلا انتظار لقوله: كل وهو أولى، إن اطمأنت النفس، لذلك ظلموا أنفسهم بذلك { وَمَا ظَلَمُونَا } أشار به إلى أنهم ظلموا أنفسهم بالكفر والمختلفة، وصرح به فى قوله { وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } تكرر الظلم منهم واعتادوه، وكانوا ستمائة ألف فى التيه، وفيه مات هارون وموسى، وماتوا كلهم فيه إلا من لم يبلغ العشرين، ذهب موسى وهارون إلى غار، فمات هارون، فدفنه موسى، فقالوا: قتلته لحبنا إياه، فتضرع إلى الله، فأوحى إليه أن سر بهم إليه، فناداه، يا هارون، فخرج ينفض رأسه، فقال: أنا قتلتك؟ قال: لا، ولكن مت، قال: فعد كما كنت فى قبرك، وعاش موسى سنة، ومر فى حاجة له بملائكة يحفرون قبراً لم ير أحسن منه بهجة وخضرة ونضرة، فقال: يا ملائكة الله، لمن تحفرون هذا هذا القبر؟ فقالوا: لعبد كريم على ربه، فقال: إن هذا العبد من الله بمنزلة، فقالوا: يا صفّى الله، أتحب أن يكون لك؟ قال: نعم. قالوا: فأنزل فاضطجع فيه، وتوجه إلى ربك، ففعل وتنفس أسهل تنفس، ومات، وسووا عليه التراب، وقيل: أتاه ملك بتفاحة من الجنة فشمها فمات، وليس كما قيل، إنه مات فى جبل أحد، لقوله صلى الله عليه وسلم: لو أنى عنده لأربتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر، لعدم صحة هذا الحديث عنه صلى الله عليه وسلم.