التفاسير

< >
عرض

يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ
٩
-البقرة

تيسير التفسير

{ يُخَٰدِعُونَ } أي يخدعون، بفتح الياء وإسكان الخاء، فالمفاعلة ليست على بابها، بمعنى الفعل، وهو إظهار ما يوهم السلامة وإبطان ما يقتضى الإضرار بالغير، أو التخلص منه، أو هو أن توهم صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه، وتصيبه به، ودخل فى المكروه جلب نفع منه لا يسمح به لك أو لغيرك { آللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا } [البقرة: 257] يظهرون خلاف ما أبطنوا، ويظنون أن الله لا يعلم ذلك منهم. فأخبرنا الله عز وجل، أنهم عاملوا الله والمؤمنين بالمكر، والله لا يخفى عليه شىء، أو يخادعون الله مخادعة مجاز، على أنهم معتقدون لكون الله عالماً بما فى قلوبهم، وذلك أن تلفظهم بالإيمان، وإظهار مقتضياته مع مخالفته فى الأعمال والقلوب شبيه بالخداع، ويقدر محذوف، أى، ويخادعون المؤمنين خداعا حقيقيا، إذ يدفعون بإظهار الإيمان وشأنه القتل والسبى وما يصنع بالمشركين، ويجلبون الإكرام والمعاملة بمعاملة المؤمنين، وإنما قدرت محذوفا لئلا يكون لفظ يخادع فى مجازه وحقيقته معا، أو أراد يخادعون الذين آمنوا، وذكر الله معهم إكراما وتعظيماً لهم، بأنه من خانهم فقد خان الله، أو يخادعون نبى الله، قال الله تعالى: { { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله } [الفتح: 10] { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ } [النساء: 80] والحاصل أن لفظ المفاعلة مبالغة، ويجوز إبقاؤها على معناها مجازاً، وذلك، أنهم أظهروا الإيمان، وهم كافرون، والله عز وجل أجرى عليهم أحكام المؤمنين، وهم عنده غير مؤمنين، ولهم عنده الدرك الأسفل من النار، وإجراء المؤمنين تلك الأحكام تشبه صورة المكر بهم، إذ ليس لهم ما لمن تحقق إيمانه فى الآخرة، وذلك استعارة تمثيلية فى الكلام، أو مفردة تبعية فى يخادعون، والله عز وجل لا يكون خادعاً إذ لا يخاف أحداً، ولا ينقض فعله أحد إذا أجهره، ولا مخدوعا، لأنه لا يخفى عليه شىء، ولا يناله مكروه، ولاينتفع بشىء، وإذا قدرنا يخادعون نبى الله الله تقدير معنى ففيه إيقاع الفعل على غير ما يوقع عليه للملابسة بينهما، وهى الخلافة، فذلك مجاز عقلى فى النسبة الإيقاعية لا الوقوعية { وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ } ما يعاملون بمضرة الخداع إلا أنفسهم؛ وهى الافتضاح بإخبار الله، سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بما أحفوه، والعقاب فى الآخرة { وَمَا يَشْعُرُونَ } لا يعلمون أن وبال العقاب راجع إليهم، إنما فسرت يخادع بيخدع لأن الله والمؤمنين لا يخدعونهم.