التفاسير

< >
عرض

وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ
٤٣
قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٤٤
-النمل

تيسير التفسير

{ وصَدَّها ما كانَتْ تَعبد منْ دُون اللهِ } ما مصدرية، والمصدر فاعل صد، أى صدها عن الاسلام قبل، او عن إظهاره الى هذا الحال كونها تعبد غير الله سبحانه، أو نكرة موصوفة أو اسم موصول واقعة على الشمس فاعل صد، أى صدها عن الاسلام قبل ذلك شىء تعبده من دون الله، وهو الشمس، أو الشىء الذى تعبده من دون الله، أو الشمس التى تعبدها، والرابط فى ذلك كله مقدر كما رأيت، واسناد الصد الى ما كانت تعبده مجاز عقلى لعلاقة السببية، وحقيقته وصدها الله بما كانت تعبده، واسناده الى العبادة على وجه المصدرية حقيقة على العرف { إنَّها كانَتْ مِنْ قومٍ كافرينَ } لما أسلمت لم تظهر الاسلام قبل هذا الحال، لرسوخ كفرهم، وكأنه قيل: ماذا قيل لها بعد ذلك الامتحان؟ فأجيب بقوله:
{ قيل } أى قال غير سليمان أو سليمان { لها ادْخُلى الصَّرْح } أو ذلك خبر ثان لكانت، ولهذا ربط بالضمير من لها، وأما ما قيل من أنه جىء بـ { لها } هنا دون قيل أهكذا المكان أمرها، فلا يتم، لأن أهكذا أيضا خطاب لها يستدعى جوابا، كأنه قيل أجيبى، والصرح القصر العالى من معنى التصريح، وهو الاظهار، وزعم بعض انه هنا البركة، وبعض انه صحن الدار أو ساحتها، ويناسبه قوله: { إنه صرح ممرَّد } روى أنه أمر الجن فبنوا لها الصرح من زجاج أبيض، وأجروا من تحته الماء، ودواب الماء، أو بنوا طبقات من الزجاج الذى هو كالماء بين كل طبقتين ماء وحيوانه، وهذه المبالغة تنافى انها أرادت أن تخوضه، إلا أن تقاربت الطبقات، ووضع سريره فى صدر المجلس، وجلس عليه، وعكفت عليه الطير والجن والانس، وذلك امتحان لها فى الايمان.
وقيل: ليتبين كذب من قال: إن رجْلها رِجْل حمار إذا كشفت عن ساقيها تخوض اللجة، ولكن بان أنهما شعر أو ان جاز لخاطب امرأة أن ينظر الى وجهه، وظهر قيدميها، قيل وشعرها، وساقيها.
{ فلمَّا رأته } أى الصرح أى أسفل الصرح { حَسِبتْه لجةً } ماء عميقا قدر ما تخوض فيه { وكَشَفت عَنْ ساقَيْها } أذيالها لئلا تبتل { قال } سليمان، وقيل: قال القائل ادخلى ويرده أنه لو كان ذلك لقال قيل كما قيل أولا { إنَّه } أى ما ترين من البناء كله أعلاه وأسفله { صَرحٌ مُمرَّدٌ } أو أنه بعض صرح ممرد، أى مجرد عما يرد نفوذ البصر { مِنْ قَواريرَ } قطعات زجاج، أو قطعات مجوفة منه نعت ثان، أو خبر ثانٍ { قالت ربِّ إنِّى ظلمْت نَفْسى } بعبادة غيرك، وكفرى بسليمان، ومن أشرك فقد كفر بالأنبياء علم بهم أو لم يعلم، قبل علمه وبعده، ولا دليل يعلم به انها أرادت أنى ظلمت نفسى بظنى أن سليمان أراد اغراقى، أو بامتحانيه حتى امتحننى، { وأسْلَمت معَ سليمان لله } مقتضى الظاهر لك وإسقاط مع سليمان ولكن اتت باسم الجلالة تعظيماً لربها سبحانه بالألوهية والتفرد باستحقاق العبادة، والملك لكل موجود كما قال: { ربِّ العَالمين } لما جددت الاسلام بحضرته تزوجها وأصدقها بعلبك، وأقرها على ملكها، وأمر الجن فبنوا لها سليحين وغمدان وبيسنون، ويزورها فى الشهر مرة، ويقيم عندها ثلاثة أيام، وولدت له أبنا.
أخرج البيهقى عن الأوزاعى فى الزهد: أنه كسر برج من أبراج تدمر، فأصابوا فيه امرأة حسناء دعجاء، مدمجة كأن أعطافها طى الطوامير، عليها عمامة ثمانون ذراعا، مكتوب على طرفها بالذهب: بسم الله الرحمن الرحيم أنا بلقيس ملكة سبأ، زوج سليمان بن داود عليهما السلام، ملكت من الدنيا كافرة ومؤمنة، ما لم يملكه أحد قلبى، ولا يملكه أحد بعدى، صار مصيرى الى الموت، فأقصروا يا طالبى الدنيا، وما تزوجها إلا بعد أن أزال شعر ساقيها بالنورة، أخرجها له الشياطين بعد أن سأل الانس وسائر الجن فلم يجيبوا إلا بالحق، فكرهه مخافة ان تجرح، وقيل أمرها بالتزوج، فقالت: وأنا ملكة الملوك؟ قال: لا بد فى الاسلام منه، قالت: فزوجنى ذا تبع، ففعل وردها الى اليمين، وأمر زوبعة أمير جن اليمن أن يخدمه، ويزى أنه لما مات سليمان نادى فى اليمن يا معشر الجن ارفعو أيديكم قد مات سليمان فتفرقوا.