التفاسير

< >
عرض

فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ
٦١
-آل عمران

تيسير التفسير

{ فَمَنْ حَآجَّكَ } جادلك من النصارى { فِيهِ } أى فى عيسى، أى فى شأنه، لأن الكلام فيه، فهو أولى من عود الهاء للحق ولو كان أقرب { مِنْ بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ العِلْمِ } القاطع بأنه عبد الله وسوله { فَقُلْ } لهم { تَعَالُوا } أصله دعاء من كان فى موضع عال لمن كان فى أسفل أن يعالج الصعود إليه، ثم استعمل فى طلب المجىء بالذات، وفى طلب المجىء بالقلب والرأى والعزم ولو حضروا، ولا نفع فى حضور الأجساد بلا رأى وعزم { تَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفًسَكُمْ } خص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وقدمهم لينبه على تمكن منزلتهم، وهذه معجزة، إذ لم يرو نصرانى ولا غيره أنهم أجابوه للمباهلة لمعرفتهم بصحة نبوته، بل روى أنهم قال بعض لبعض: إنا لا نباهله، فقد عرفتم أنه ما باهل نبى قوما إِلا هلكوا { ثُمَّ نَبتَهِلْ } لوح إليهم بالتراخى عن الابتهال لعلهم يتذكرون فيدركون الحق فيؤمنون، والإبهال التلاعن والاجتهاد فى الدعاء والإخلاص فيه والتضرع { فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } فى أمر عيسى، بقولهم: إنه إله أو ابن إله، أو ثالث ثلاثة، أو بقولهم عبد الله ورسوله، فنقول، اللهم العن الكاذبين فى أمر عيسى، فتقع اللعنة على من كذب، وهم القائلون: إنه إله أو ابن إله، دعا صلى الله عليه وسلم وفد نجران لذلك إذ حاجوه، وهم ثلاثة، وقيل أربعة عشر رجلاً، فقالوا، حتى ننظر فى أمرنا، ثم نأتيك بعد ثلاثة أيام، وشاوروا قريظة والنضير وقينقاع، فقالوا: لا تلاعنوه فإنه النبى الذى ننتظره، وقال لهم أيضا ذو رأيهم، أى العاقب عبد المسيح، لقد عرفتم نبوته وما باهل قوم نبيا إلا هلكوا، فإن أبيتم إلا الإقامة على ما أنتم عليه فوادعوه، وانصرفوا، فأتوه وقد خرج أى من بيته إلى المسجد، ومعه الحسين، أى حاملا له بجنبه، والحسن، أى آخذ بيده، وفاطمة، أى خلفه، وعلي، أى خلفه، وقال لهم: إذا دعوت فأمنوا، فأبوا أن يلاعنوا وصالحوه على الجزية، رواه أو نعيم فى دلائل النبوة، وروى أنه صلى الله عليه وسلم جاء بأبى بكر وأولاده، وبعمر وأولاده، وبعثمان وأولاده، والجمهور على ما مر ولما رأوا النبى صلى الله عليه وسلم قال كبيرهم علما: إنى لأرى وجها لو سألوا الله أن يزيل جبلا لأزاله من مكانه فلا تباهلوا. روى: صالحوه على الفىء، حلة حمراء، النصف فى صقر والبقية فى رجب، وثلاثين درعا من حديد، وثلاثين فرسا، وثلاثين بعيرا، وثلاثين من كل صنف من أصناف فى السلاح تغزون بها، والمسلمون ضامنون حتى تردوها إلينا، قال أحمد عن ابن عباس، لو باهلوا لرجعوا ولا يجدون مالا ولا أهلا، وروى لاحترقوا،وعنه صلى الله عليه وسلم، "والذى نفسى بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران، لو لاعنو لمسخ شبابهم قردة وشيوخهم خنازير، ولاضطرم عليهم الوادى ناراً ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رءوس الجبال" ، وما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا، وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم، فأبوا، قال صلى الله عليه وسلم: فإنى أناجزكم، قالوا: لا طاقة لنا بحرب العرب لكن نصالحك، فصالحوه بذلك" ، وروى أنهم قالوا: انظر يومك وليلتك بعده فما حكمت به رضينا به، فحكم بعدها عليهم بالجزية، وهى ما مر.