التفاسير

< >
عرض

مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَٰبَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ
٧٩
-آل عمران

تيسير التفسير

{ مَا كَانَ } ما صح، أو ما استقام، أو ما ثبت شرعا ولا عقلا، والآية رد على من قال من المسلمين، يا رسول الله، دعنا نسجد لك، لو أنا نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض، أفلا نسجد لك، فقال: لو أمر بشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولا سجود إلا لله، ولكن أكرموا نبيكم، واعرفوا الحق لأهله، ورد على نصارى نجران وغيرهم، إذ قالوا، إن عيسى أمرهم أن يتخذوه ربا، وعلى النصارى واليهود إذ نهاهم صلى الله عليه وسلم عن عبادة عزير والمسيح والأحبار والرهبان، فقالوا، أنتخذك ربا، أتريد ذلك، والمتبرز فى ذلك أبو رافع القرظى من اليهود، ورجل من نصارى العرب يلقب السيد النجرانى، قال: يا محمد أتريد أن نجعلك ربا، وقال: معاذ الله أن يعبد غير الله، وأن نأمر بعبادة غير الله، ورد على قريش إذ نهاهم عن عبادة الملائكة، فقالوا له مثل ذلك، أو دعنا نفعل، فقال، ما كان { لِبَشَرٍ أَن } يجعله الله نبيا، ثم يأمر الناس بعبادة نفسه وينهاهم عن عبادة الملائكة والأنبياء وغيرهم، بل يقتصر على الأمر بطاعة الله وعبادته، فنفى اللياقة غير متسلط على قوله { يُؤْتِيَهُ اللهُ الكِتَابَ } الآمر بالتوحيد، والناهى عن الإشراك كالتوراة والإنجيل والقرآن وكل كتب الله لذلك { وَالحُكْمَ } الفهم للحكمة التى تكمل بها النفوس الموجبة لاعتقاد أن ما سوى الله مربوب { وَالنُّبُوَّةَ } التى هى أعلى المراتب الداعية إلى التوحيد والعبادة لله عز وجل والآداب، بل متسلط على قوله { ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاس كُونُوا عِباداً لِّى مِن دُونِ اللهِ } أى عبادا لى خاصة، لا لله، أو عبادا لى على الاستقلال، أو عبادا لله على الاستقلال، ولم يقل عبيداً لأنه لا يختص بالعبادة بل بمعنى الملك بخلاف عباد، لا يقال عباد زيد، بل عبيده، وثم لمجرد الترتيب، أو على أصلها، بمعنى أنه إذا كان لا يليق على مهلة فأولى ألا يليق بعدلة، وقيل المعنى، ما كان لبشر أن يؤتى النبوة ثم يترتب على ذلك أمره بعبادة نفسه، ونهيه عن عبادة الملائكة والنبيين على استواء الكل فى عدم استحقاق العبادة، ولم يقل ما كان لأحد بل لبشر إيذانا بأن البشرية تنافى المعبودية { وَلَكِن } كان لبشر أن يستقيم له شرعا وعقلا أن يقول { كُونُوا رَبَّانِييِنَ } وهذا أولى من العطف على يقول، باعتبار أن معنى ما كان إلخ لا يقول للناس كونوا عباد لى من دون الله، ولكن كونوا ربانيين، كقولك، لا تقل قام زيد لكن قعد عمرو، أى لكن قل قعد عمرو، والعاطف الواو، وأولى من اعتبار أن المعنى لا يكونون قائلين لذلك، ولكن كونوا ربانيين، لأنه خلاف الظاهر، والربانيون نسب للرب بزيادة الألف والنون شذوذا قياسا، التحتانى والفوقانى واللحيانى والرقبانى، لعظيم اللحية والرقبة، والصمدانى والجسمانى والحمانى لعظيم الجمة، ومعنى الربانى الكامل علما وعملا، أو سلما وحكمة، أو نسب إلى ربان، وربان وصف كشبعان، فالنسب مبالغة، كقولك فى أحمر أحمرى، تريد أنه شديد الحمرة لا النسب إلى من هو أحمر، فيكون النسب قياسا، وزعم بعض أنه سريانى { بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ } لكونكم تعلمون التوراة والإنجيل، أو كليهما { وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } وبكونكم تدرسونه وأن للحقيقة، وفائدة العلم معرفة الحق والعمل به واعتقاده، وأهل الكتاب يعرفون الحق ولا يعتقدونه ولا يعملون به، فمن جمع علما ولم يجعله وسيلة إلى العمل اشبههم، وكان كغارس شجرة معجبة، لا ينتفع بثمرها، والاعتقاد نسبة الخبر بالصدق باختياره والمعرفة أعم، والدرس تكرير العلم لئلا ينسى، والباءان متعلقتان يكونوا، ويجوز تعليقهما بربانيين، وقدم العلم لفضله على الدرس، ولأن علم كتاب الله أفضل من درس الفقه إن كان الدرس درس الفقه.