التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ
٩٠
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٩١
-آل عمران

تيسير التفسير

{ إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعدَ إيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً } كاليهود، كفروا بعيسى والإنجيل، ومحمد القرآن بيد بعثه، بعد الإيمان بموسى والتوراة والقرآن ومحمد قبل بعثه، وازدادوا كفرا بمحمد والقرآن زيادة كم، وبالإصرار زيادة كيف، وبالطعن والصد عن الإيمان، ونقض الميثاق بعد بعثه زيادة كم، وكقوم ارتدوا ولحقوا بمكة، وازدادوا كفرا بقولهم: نتربص به ريب المنون، وإن صار غالبا نرجع إليه وننافقه زيادة كيف { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } لإصرارهم إلى أن غرغروا وعاينوا فتابوا، أو لم يتوبوا إلا بعد الموت، أو المعنى لا يتوبون، لأن توبة المعاينة أو ما بعد الموت كلا توبة، لعدم التكليف، أو المعنى لا توبة لهم فضلا عن أن تقبل، فنفى اللازم بدل نفى الملزوم، كما تقول، لا جحر للضب فى هذه الصحراء، بمعنى لا ضب فيها، وقيل، تاب قوم من أهل الكتاب من ذنوب غير الكفر، فلم تقبل توبتهم، وقيل، قال أصحاب الحارث، نقيم على الكفر حتى إذا شئنا تبنا، فينزل قبولنا كما نزل قبوله { وَأُولَئِكَ هُمُ الضّآلُّونَ } الراسخون فى الضلال بحيث لا يخرجون، فهم أعظم من أن يقال، الكاملون فى الضلال، والكافر إما تائب توبة نافعة، كقوله تعالى: { { إلا الذين تابوا } [آل عمران: 89]، وإما تائب توبة فاسدة، كقوله تعالى: { إن الذين كفروا بعد إيمانهم }، وإما غير تائب، كقوله تعالى:
{ إنَّ الَّذِينَ كَفرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفّارٌ فَلَن يُقْبَلَ } الفاء إشعار بأن عدم القبول مسبب عن موتهم كفارا، ولم تكن فى لن تقبل توبتهم، لأن الارتداد وزيادة الكفر لا يكونان سببا لعدم قبول التوبة، بل هما نفس الذنب، وإنما السبب الغرغرة أو الموت، إلا أن ازياد الكفر يوجب ازياد الدين المانع من التوبة، ولم يعتبر هذا لأنه لا يتبادر إلا بالتوسط، وقرن خبر إن هنا بالفاء لأن اسمها على معنى العموم فكان كمن الشرطية، ولم يقرن فيما قبلهما لأن اسمها جاء لمعنيين فلم يشبه من الشرطية { مِنْ أَحَدِهِمْ } هذا أبلغ من أن يقال منهم، لأن المعنى من واحد منهم كائناً ما كان { مِّلْءُ الأَرْضِ } شرقا وغربا وغيرهما إلى السماء الدنيا، وملء الشىء ما يملؤه، ولا أطراف للأرض مرتفعة ارتفاع أطراف الوعاء، فكان المراد ملء هوائها إلى السماء، وهذا أولى من أَن يقال، ملؤها تعميم ظاهرها { ذَهَبَاً } وهو أعز ما يملك، وكل أحد يعرف له قدرا، وكثرت معاملته، وكان أثمن الأشياء، ويزين به، بخلاف سائر الجواهر الثمينة كالزبرجد فإنه غير متداول بين الناس إلا قليلاً { وَلَو افْتَدَى بِهِ } لا يخفى أن نقيض الشرط فى لو أن الوصلتين أولى بالجزاء، ونقيض افتدى لم يفتد، ولا يصح هنا لو لم يفتد به ولو افتدى به، ولا افتدى به، فكيف لو لم يفتد، لأن الكلام فى القبول، ولا يتصور مع عدم الافتداء، فإما أن يجعل المعنى والحال أنه افتدى به، كما قيل بزيادة لو، وإما أن تجعل الواو زائدة كما قرىء خارج العشرة شادَّا، بإسقاطها، وإما أن يقدر، لو تقرب به إلى الله فى الدنيا لكفره ولو افتدى به من العذاب من الآخرة، أو لا يقبل ولو فى حال الافتداء، وهو لا يمتن فيها إذ هى حالة قهر، أو الآية عبارة عن عدم قبول الفدية مطلقاً، ولو كانت أضعاف ملىء الأرض، كما يعبر بالسبعين عن العدد الذى لا يتناهى، أو تجعل شرطية محذوفة الجواب، أى ولو افتدى به لم يكفه، أو لم ينفعه، أو لمَ ينجه من العذاب، ودل على ذلك قوله عز وجل { أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ } وإما أن يجعل إولئك لهم عذاب أليم جواباً، فلا يصح، لأن جواب لولا يكون جملة اسمية، للهم إلا إن ضمنت معنى إن، وفى البخارى ومسلم والطبرانى عن أنس عنه صلى الله عليه وسلم:
"يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت مفتدياً به؟ فيقول: نعم، فيقال: لقد سئلت ما هو أيسر من ذلك فلم تفعل" ، فذلك قوله تعالى: إن الذين كفروا.. الآية { وَمَا لَهُم مِّن نّاصِرِينَ } بدفع العذاب أو تخفيفه.