التفاسير

< >
عرض

يسۤ
١
وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ
٢
إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
٣
-يس

تيسير التفسير

يقولون لست رسولا كما مر مثله فى السورة قبل هذه، فنزلت هذه الآيات الى " { غافلون } " [يس: 6] تصديقا له، كما قال الله عز وجل: " { قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب } " [الرعد: 43].
وهذه السورة قلب القرآن لاشتمالها على أمهات الأصول، يدفع بها الجهل والآفات، كما يصلح البدن بالقلب، تسمى: المعمة، والمدافعة، والقاضية، نعم خير الدنيا والآخرة لقارئها، وتكابد عنه البلوى فى الدنيا والآخرة، وتقضى له كل حاجة، روى ذلك بسند فيه ضعف، وروى يغفر له ما تقدم، وكمن قرأ القرآن عشر، وكمن قرأه احدى عشرة، وكمن قرأه اثنتين وعشرين، وروى مرفوعا كمن قرأه مرتين، وذلك الحسنة بالحسنة، يضاعف لمن يشاء الحسنة بعشر وأكثر، كما صح أن هذه الأمة أقصر أعماراً وأكثر ثوابا، فيكون لمن قرأ هذه السورة مرة كمن قرأ القرآن كله، مع أن لكل حرف منه عشر حسنات وأكثر، أى كمن قرأه بدون سورة يس ولك أن تقول معها، لأن الشىء مفردا غيره مقرونا بغيره.
وفى أبى داود: " اقرءوا على موتاكم يس" ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" "أن لكل شيء قلباً، وأن قلب القرآن يس" ، من قرأ يس يريد بها وجه الله غفر الله له وأعطاه من الأجر كلما قرأ القرآن اثنيتن وعشرين مرة" وقال صلى الله عليه وسلم: " "من قرأ يس أمام حاجته قضيت له" وقال صلى الله عليه وسلم: " "من قرأها إن كان جائعا أشبعه الله تعالى، وإن كان ظمآن أرواه الله تعالى،وإن كان عريانا ألبسه الله تعالى، وإن كان خائفا آمنه الله تعالى، وإن كان متوحشا آنسه الله تعالى، وإن كان فقيرا أغناه الله تعالى، وإن كان فى السجن أخرجه الله تعالى، وإن كان أسيرا خلصه الله تعالى، وإن كان ضالا هداه الله تعالى وإن كان مديونا قضى الله دينه من خزائنه" ومن سمع أنه من فعل كذا من عبادة كصوم وصلاة وصدقة كان له كذا وكذا من الدنيا كرزق وصحة بدن، ونصر فليفعل تلك العبادة لرضا الله تعالى، وللحسنات والنجاة من النار، وغفران الذنوب، ويدع بعد ذلك ولا ينشىء عبادة لأمر دنيوى بل ينشئها تقربا الى الله ويترتب عليها مراده من الدنيا.
وما ورد من ذلك فى الحديث مخالفا لما ذكرت، فانه يأول به، فان أنواع العبادة لم توضع للدنيا، ثم إنه إن توهم أن له الأجر عليها فى الآخرة، قال الله عز وجل: قد أعطيتك فى الدنيا حاجتك التى عبدتنى لأجلها أو قد جازيتك عنها بكذا من أمر الدنيا، وإنما يتوسل الى أمور الدنيا بالدعاء، وهو مأمور به، وهو عبادة.
ومعنى يس: يا إنسان بلغة طيىء والحبشة، فقيل أصله أنيسين، واعترض بأن المسموع أنيسيان، والحافظ حجة وليس ذلك من عنده، وأن الأصل عدم التصغير، ولو كان لله عز وجل أن يصغر لفظ وليه تعظيما، لكن لا يقال به إلا مع ورود مثله عن الله فى وليه، وإنيسيان دليل على أن الانسان من النسيان، فلعل يس كله اسم واحد للسورة، أى اتل يس، أو حروف مقطعة، أو يا حرف نداء، وسين حرف من إنسان اختصار كما اختصر شامن لفظ شاهد فى قوله صلى الله عليه وسلم:
" "كفى بالسيف شا" .
وإذا قيل: هذا نداء ورد على القائل أن حذف حرف النداء الداخل على النكرة المقصودة ضعيف، فما قيل فى الحديث الوارد فى حقوق الوالدين من وفاء الضمانة الزم رجل أمك، من أن رجل منادى أى الزم أمك يا رجل ضعيف، والصواب كسر الراء وإسكان الجيم مضافا الى الأم، اى اكسها واخدمها، ويدل لهذا حديث باب الجهاد:" "ويحك الزم رجلها" وعن ابن الحنفية: يس يا محمد، وفى الحديث: " إن الله تعالى سماني في القرآن بسبعة أسماء: محمد وأحمد، وطه ويس، والمزمل والمدثر، وعبد الله" وقيل المراد يا سيد والحكيم فعيل للنسب بمعنى ذى الحكمة لاشتماله عليها، أو بمعنى مفعول من الرباعى بالزيادة، أى محكم أى متقن مضبوط كأعقدت العسل فهو عقيد، أى معقد ولا معمول لمرسلين، لأن المراد من أهل الرسالة لا من أهل الرسالة إلى كذا.
ويجوز أن يكون الحكمة أسندت الى القرآن بمعنى الناطق بالحكمة على التجوز فى الاسناد، أو على الاستعارة المكنية، بأن شبه بالحى ورمز اليه بلازمه وهو النطق، ويجوز تسمية الانسان بيس، كما سمى به بعض أصحابنا، وبعض قومنا، ومن ذلك أن بعض أعراب المغرب الأوسط أكثر قراءة يس لأمر دنيوى، وأغير على حيهم، فصاح أين أنت يا يس يعنى السورة، فأجابه رجل من جهة العدو: ها أنا ذا يس، فهو إما رجل من العدو اسمه يس خلصه الله تعالى به، أو ملك أو ما شاء الله كان له من قراءته.