التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً
١٠١
-النساء

تيسير التفسير

{ وَإذَا ضّرَبْتُمْ فِى الأَرضِ } جاوزتم فرسخين،مما اتخذتموه وطناً ولو فى الحوزة، لحديث الربيعرحمه الله ، "أنه صلى الله عليه وسلم جاوز فرسخين من المدينة إلى ذى الحليفة، وقال: أريد أن أعلمكم حد السفر" ، وقال مالك الشافعى: حده أربعة برد، وقال أبو حنيفة: ستة برد، والبريد أربعة فراسخ، وهى مسيرة يومين باعتدال فى السير، والفرسخ ثلاثة أميال بأميال هاشم، جد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذى قدر أميال البادية، والميل اثنا عشر ألف قدم وهى أربعة آلاف خطوة، والخطوة ثلاثة أقدام وعن أبى حنيفة يقصر فى ثلاثة أيام، وعن الحسن ابن زياد عن أبى حنيفة يومان، وأكثر الثالث، وكذا عن صاحبيه أبى يوسف ومحمد، وعن الحسن البصرى مسيرة ليلتين، وعن أنس خمسة فراسخ، وقيل أحد وعشرون فرسخاً، وقيل ثمانية عشر فرسخاً، وقيل خمسة عشر فرسخاً، وعن ابن عباس الزيادة على يوم، وعن عمر يوم، وقال داود الظاهرى: القصر لمطلق السفر ولو قليلا { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا } فى أن تقصروا { مِنَ الصَّلاَةِ } الرباعية ركعتين، فلا تصعب عليكم الهجرة، والقصر واجب، فمن صلى صلاة سفر تماما ولو يعدها قصراً هلك، ولزمته المغلظة، ورخص فى المغلظة، كما ذكر الشيخ موسى بن عامر، وكذلك قال بوجوب القصر أبو حنيفة كما قلنا ولنا قول عائشة رضى الله عنها: فرضت الصلاة ركعتين، والمغرب ثلاثا، وزاد الله فى الحضر علىغير المغرب، والفجر ركعتين فالتقصير عزيمة، وأبقى المغرب لأنه وتر النهار، والفجر لأنه يسن فيه طول القراءة، ولنا أيضا قول عمر: صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم، وليس فى نفى الجناح ما ينافى الوجوب، لأنه دفع لما يتوهم أن القصر ذنب، على حد ما في قوله عز وجل: { { فلا جناح عليه أن يطوف بهما } [البقرة: 158]، وقال الشافعى: القصر رخصة لا عزيمة، فإن شاء أتم، واستدل بأنه صلى الله عليه وسلم أتم، وأن عائشة رضى الله عنها "قالت: يا رسول الله، قصرت وأتممت وأفطرت وصمت، فقال صلى الله عليه وسلم: أحسنت" ، فنقول: ما استمرت عليه عائشة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبت، فإنها لم تقل ذلك إلا لعلمها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الإتمام فى السفر منسوخ، وأن قوله صلى الله عليه وسلم إنما هو قبل النسخ، ولا يخفى أن فرض صلاة السفر ركعتين ركعتين ينافى جواز الزيادة، وعائشة رضى الله عنها خالف فعلها روايتها، والقاعدة أن مثل ذلك يتبع فيه فعلها مثلا، وروى أنها اعتذرت عن فعلها بأنى أم المؤمنين، فدارى حيثما حللت { إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ } أن يقتلكم، كقوله تعالى: { { على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم } [يونس: 83]، ويلتحق بالقتل نحوه، وقيل هذا مستأنف متعلق بقوله: فإذا كنت فيهم الخ، وعلى هذا فهى فى صلاة الخوف لا فى صلاة القصر، والصحيح أنها فى القصر { الَّذِينَ كَفَرُوا } هذا جار على الغالب فى ذلك الوقت، فيشرع القصر أيضاً فى حال الأمن كقوله تعالى: { { وربائبكم اللاتى فى حجوركم } [النساء: 23] وقوله تعالى: { { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله } [البقرة: 229] الخ، وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قصر فى السفر من غير خوف، وأنه صلى الله عليه وسلم أباح لعائشة قصرها من غير خوف، وروى عن يعلى بن أمية، قلت بن الخطاب، فيم اقتصار الناس الصلاة اليوم وإنما قال الله تعالى: إن خفتم أن يفتنكم، وقد ذهب الخوف اليوم، فقال: عجبت بما عجبت منه، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" ، أى فاعتقدوه واعملوا به، وذلك إسقاط للإتمام عن ذممنا والإسقاط لا يحتاج إل القبول، لا يقبل الرد خصوصاً ما كان من الله، فإنه ما لنا إلا التدين بما شرع لنا، وقال داود الظاهرى: لا يجوز القصر إلا حال الخوف لظاهرالآية، وإخبار القصر فى الأمن آحاد، والآحاد لا تنسخ القرآن، قلنا: الأحاديث بينت أن الشرط جرى على الغالب لا قيد، وقد أخرج البخارى ومسلم وابن جرير، والنسائى، والترمذى أنه صلى الله عليه وسلم صلى فى السفر ركعتين وهو فى أمن وقيل: القصر من السنة، وأما الآية ففى تخفيف الصلاة عند الخوف بتقليل القراءة والتسبيح والتعظيم بالإيماء كما يأتى قريبا إن شاء الله تعالى { إنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُّوا مُّبِيناً } وقيل المراد بالآية أن يخافوا العدو، فينفضوا من صلاتهم، وشأنها كالوضوء بالتيمم وتلاوة أية واحدة، ولو قصيرة والإيماء وتعظيمه وتسبيحة واحدة فى كل ركوع وسجود، ونسب لابن عباس وطاوس، وهو ضعيف، وقيل المراد ركعتان ولو فى المغرب للخوف فى السفر، وألحق به الخوف فى الحضر، وهو ضعيف.