التفاسير

< >
عرض

يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً
١١
-النساء

تيسير التفسير

{ يُوصِيكُمُ اللهُ فِى أَوْلآدِكُمْ } يعهد إليكم فى شأن إرث أولادكم، أو يفرض عيكم، كقوله: { { ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق } [الأنعام: 151، الإسراء: 33]، ذلكم وصاكم به أى فرض عليكم، أو لأولادكم، كحديث، دخلت امرأة النار فى هرة أى لهرة، والإيصاء لغة طلب الشىء من غيره ليفعله فى غيبته حال حياته أو بعد موته، أو الإيصاء أن يقدم إلى الغير ما يعمل فيه مقترنا بوعظ، والخطاب للمؤمنين أى يوصيكم الله فى أولاد موتاكم فإيصار الله تعالى أمر لعباده بإطلاق المقيد على المطلق، ثم على المقيد، فيكون مجازاً بمرتبتين، أو بإطلاق اسم الملزوم على الللازم فيكون مجازاً بمرتبة { لِلذْكَرِ } منهم { مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } حين اجتمع الصنفان، لم يقل للأنثيين مثل حظ الذكر، أو للأنثى نصف الذكر مع أن الآية لبيان استحقاق الإناث الميراث، إذ حرموهن، تلويحاً بأنه يكفى فى الذكر تفضيلا أن يجعل ضعف أنثى لا أن تحرم ألبتة، لأنهما جزء من الميت ومن صلبه ومائه كما هو { فَإِن كُنَّ } ضمير الإناث للأولاد، هكذا بقطع النظر عن كونهم ذكوراً أو إناثا، وساغ لتأنيث الخبر، ومقتضى الظاهر فإن كانت أى الأنثى، والمراد الجنس، وجاء بضمير جماعة الإناث، لأن الخبر فى ذلك، واثنتان جمع، وأخبر عنه بمعنى الجمع لزيادة قيد الفوقية، ولا يصح ما قيل من أَن المراد، فإن كانت المولودات لأنهن نساء، أى إناث فلا يصح الشرط { نِسَآءً } إناثاً بلغا أو غير بلغ، ومما قيل ولا دليل له، أن حواء أكلت حفنة من حنطة وخبأت أخرى، وأعطت آدم حفنة فعكس الله أمرهما بأن للأنثى حصة والذكر حصتين، ولم ترث فاطمة رضى الله عنها من أبيها صلى الله عليه وسلم شيئاً لشهادة الإمام على وغيره من الصحابة بحديث: "إنا معشر الأنبياء، لا نورث، ما تركناه صدقة" والقرآن يخصص بالمتواتر إجماعاً، وبالآحاد على الصحيح، وأما ورث سليمان داود ويرثنى ويرث من آل يعقوب فإرث علم وحكمة ونبوءة كما قال جعفر الصادق: العلماء ورثة الأنبياء { فَوْقَ اثْنَتَيْنِ } ثلاثا فصاعدا { قَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } وللواحدة والاثنتين النصف، وهو قول ابن عباس، وقل الجمهور للانثتين الثلثان أخذا من أن حظ الذكر حظ أنثيين إذا كان معه أنثى، وهو الثلثان فإنما ذكر الفوقية دفعاً لتوهم الزيادة على الثلثين بزيادة الإناث على الاثنتين، وأخذا من أن للأخت الثلث مع أخيها فأولى أن نستحقه مع أخت لها وأن البنتين أقرب من الأختين، وقد فرض لهما الثلثان فى قوله عز وجل: فلهما الثلثان، فأولى أن يفرضا للبنتين، مات سعد وأخذ أخوه ماله كله فشكت زوجه إليه صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية، فقال صلى الله عليه وسلم: "أعط ابنتيه الثلثين، وأمهما الثمن وما بقى فهو لك" ، وروى أن ابن عباس رجع إلى قول الجمهور لهذا الحديث إذ بلغه { وَإن كَانَتْ وَاحِدَةً } بنت واحدة، إى حصلت { فَلَهَا النِّصْفُ } مما ترك كما ذكر، قبل، وبنت الابن بالبنت وبناته كبنات الصلب وإن سفل { وَلأَبَوَيْهِ } أبوى الميت { لِكُلَّ وَاحدٍ } بدل بعض من لأبويه، والبعضية باعتبار ما بعد اللام { مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ } لو قال لأبويه السدسان لكان ظاهراً فى اشتراكهما فى السدس، ولو قال لكل واحد من أبويه السدس فاتت نكتة الإجمال والتفصيل من بيان بعد إجمال، وهو أدخل فى النفس ومن الذكر مرتين { إن كَانَ لَهُ وَلَدٌ } مفرد أو متعدد، ذكر نصف البنت أو ثلثى البنتين للأب بالعصبة مع سدسه وإن كان الولد ذكراً أو مع أنثى فما للأَب إلا سدس والباقى للأَولاد وكالأب والجد { فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ } ذكر ولا أنثى، ولا ولد ابن كذا ولو سفل { وَوَرِثَهُ أَبوَاهُ } فقط { فَلأُِمِّهِ الثُّلُثُ } والباقى للأَب بالعصبة، وهو الثلثان، فإن ورثة أحد الزوجين أوالأزواج معهما كان للأم ثلث مابقى عن فرض الزوج الذكر، أو عن فرض الزوج الأنثى أو لزوجين الأنثيين فصاعدا، حتى يكون ميراث الأب، والأم أثلاثاً بينهما كذلك، وقال ابن عباس لها ثلث كامل، ووافقه ابن سيرين فى الزوج الأنثى مع الأبوين، لأنه لا يفضى إلى أن يكون للأنثى أكثر من حظ الذكر، بخلاف الزوج الذكر فيقضى إلى أن يكون لها اكثر مما له مع تساويهما فى الأبوة والقرب وألفت رسالة فى تصحيح مذهب ابن عباس، ولو كان لا يفتى به، وإن أفتى به نقص عند بعض شراح الزقاق، والجمهور، ولا ينقضه أبو عبد الله الغرناطى، كيف ينقض مع أنه الحق، وليس زيد بن ثابت جبريل الفرائض ولا نحن حمر الفرائض:

شَمِّرْ وَكُنْ فِى أُمُورِ الدِّينِ مُجْتَهِداً وَلاَ تَكُنْ مِثْلَ عَيْرٍ قِيدَ فانْقَادَا

وبسطت المسألة فى شرح النيل وشرح الدعائم، وإن ورثه الجد وأحد الزوجين فللأم ثلث المال { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } شقيقون أو أبويون أو اميون، ذكور أو ذكور وإناث، أو إناث وصح اللفظ لهن لأنه لم يقصد لهن على الاستقلال، وأما اثنان أو اثنتان أو أخ وأخت فللأم معهما الثلث لظاهر الجمع عند ابن عباس، وقال الجمهور: إن لها السدس، وأن المراد بالإخوة اثنان فصاعدا { فَلأُِمِّهِ السُّدُسُ } والباقى للأب أو الجد، وإن لم يكونا فللأشقاء، وإن لم يكونوا فللأبوين إلا الثلث فللأميين اثنين فصاعدا، وقال ابن عباس: ثلاثة مع الأشقاء أو الأبويين، وقال إن للأخوة السدس، الذى حجبوا عنه الأم، وأن الأخوات الإناث وحدهن لا يحجبنها إلى السدس وقال لعثمان: الإخوان فى لسان قومك غير الإخوة، وكذلك الإخوة غير الأخوات، فأجاب بأنى لا أستطيع رد قضاء قضى به الأمصار وقضى به قبلى { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ } أى ما ذكرت من قولى يوصيكم إلى قوله فلأمه السدس ثابت من بعد وصية أو يتعلق بيوصيكم { يُوصِى } أى الميت { بِهَآ } تخرج من الثلث، ولو وصية الأقرب أو حج أو زكاة { أَوْ دَيْنٍ } تباعة من معاملة أو تعدية أو غلط أر خطأ، وقدم الوصية مع أنها من الثلث ومؤخرة عن الدين تبطل باستغراقه المال لأنها مشبهة بالميراث، إذا كانت بلا عوض، والآية سيقت للميراث، ولأنها شاقة على الورثة ومندوب إليها الجميع، والدين إنما يكون على تكلف وأنه مكروه، وأن مالكه متعين غالباً يطالبه، وعطف بأو، لا بالواو، للتنويع، فيفيد، أن أيهما كان قدم على الإرث فيتحصل أن اجتماعهما كانفراد أحدهما فقدم، وكذا إن جعلناها للإباحة على جوازها فى الأخبار، أو لأن يوصيكم بمعنى الأمر { ءَابَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤَكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً } دنيا وأخرى، أو إحداهما، أى أقرب من الأخرى، وكلاهما نافع، أو أيهم قريب نفعا، والآخر بعيد النفع، أى ممتنعه، فاللائق بكم أن تتبعوا ما أنزل عليكم من الميزات فى الأولاد والآباء والأمهات، ولا تخالفوه إلى ما تراه أهواؤكم من أخذ الأب وحده، ومنع الصبيان والمجانين، والضعفاء من الأولاد، ومنع النساء، أمهات أو أزواجا والآباء المجانين والضعفاء فأعطوا كلا حقه من الميت، ولعل الذى تحرمونه نافع لكم والذى تعطونه ضار، أو غير نافع، فقد يرفع الأب إلى درجة ابنه فى الآخرة مع أنه لم يعمل عمله، بشفاعته ويرفع الولد إلى درجة أبيه كذلك، كما رواه الطبرانى، وقد ينفع الطفل بعد بلوغه أو المرأة غيرهما بالإنفاق والذب عنه فدعوهما يأخذان ما فرض لهما فقد ينفعانكم فى الدنيا بذلك، وقد ينفعانكم بعد موتكم بالدعاء والذكر والصدقة، وقد ينفعان موروثكم بذلك، فأعطوهما من ماله ما فرض لهما وأيضاً لا تورثوا من شئتم وتتركوا من شئتم، مثل أن يعهد أن ما يتركه يرثه أبوه فقط أو ابنه فقط، فقد ينفعكم المتروك دون المعطى فى الآخرة أو فى الدنيا بالقيام بالعيال بعدكم، وللصدقة عليكم، وأنقذوا أيضاً وصايا الآباء والأبناء فإنهم ينتفعون فى الآخرة بوصاياهم، ولا تعطلوها مع أنه ربما نفعوكم فى الآخرة، ولكم الثواب بإنقاذها وقد لا يوصون فيوفرون لكم ما لهم { فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ } مفعول مطلق لمحذوف، أى فرض الله منه ذلك فريضة، فحذف وأخر من الله أو ليوصيكم لانه معناه فرض عليكم { إنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً } بالمصالح فى الميراث والوصايا ومراقب ذلك وكل شىء { حَكِيماً } فيما قضى، وقدر فى ذلك وغيره.