التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً
١٣٩
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً
١٤٠
-النساء

تيسير التفسير

{ الَّذِينَ يَتَخَّذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ } اليهود، أو مشركى العرب، أو الفريقين، والنصارى، ويناسب الأول قول بعض المنافقين، إن أمر محمد لا يتم، فتولوا اليهود لما توهموا من قوتهم ومن زوال عزة النبى صلى الله عليه وسلم { مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ } أنصاراً مغايرين للمؤمنين ولم يتخذوهم أولياء، أو اتخاذ للكافرين أولياء ناقض لاتخاذ المؤمنين أولياء ومبطل له فهم غير متخذين المؤمنين أولياء ولو اتخذوهم { أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ } عند الكافرين { العِزَّةَ } أيطلبون أن تحصل لهم العزة من الكفر، وهذا إنكار لأن يكون ذلك صواباً، فإنهم أخطأوا فى طلب العزة بهم { فَإِنَّ الْعِزَّةَ } لأن العزة{ لِلَّهَ جَمِيعاً } فى الدنيا والآخرة، فهى لأوليائه ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، ولا يكترث بعزة غيرهم لأنها تزول، ولأنها تورث ذلا فى الآخرة، وقيل إن يبتغوا العزة فيطبوها من الله، فإن العزة لله، وكان مشركو مكة يخوضون فى ذكر القرآن ويستهزئون به فى مجالسهم، فانزل الله فى مكة سورة الأنعام، وفيها، وإذا رأيت الذين يخوضون فى آياتنا الخ ثم إن أحبار اليهود بالمدينة كانوا يفعلون ما فعله المشركون بمكة، وكان المنافقون يقعدون معهم ويوافقونهم على ذلك فنزل قوله تعالى:
{ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ } أيها المؤمنون { فِى الكِتَابِ } القرآن فى سورة الأنعام { أَنْ } أنه أى الشأن { إِذَا سَمِعْتُمْ ءَايَاتِ اللهِ } القرآن { يُكْفَرُ بِهَا } نطقا { وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا } يكفر بها المشركون ويستهزئون بها، أويستهزىء بها المنافقون، حذف الفاعل وتاب عنه المجرور، وقد ذكر ضمير الفاعل وهو هاء معهم فى قوله { فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ } أى مع الكافرين بها والمستهزئين بها حال الكفر بها، والاستهزاء المدلول عليهم بقوله يكفر بها ويستهزأ بها { حَتَّى يَخُوضُوا فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ } أى غير حديث الكفر والاستهزاء، وقيل غير الكفر والاستهزاء وأفرد الضمير لأنهما بمعنى { إِنَّكُمْ إذاً } إذ قعدتم أو إذا قعدتم معهم حال الكفر والاستهزاء { مِثْلُهُمْ } فى الإثم لأنكم قادرون على الإعراض والإنكار عليهم، أو مثلهم فى الكفر إن رضيتم، وحبك أن يموت الكافر على كفره بغضاً لله وانتقاما لله عز وجل حق كقوله: ربنا اطمس على أموالهم الخ، وقال مشايخ بخارى وسمرقند ونحوهما مما وراء النهر الرضى بالكفر من الغير مع استقباحه لا يكون كفراً، والصحيح أنه كفر، وهو مذهبنا، وروى الوجهان عن أبي حنيفة وإن استحسنه فكفر إجماعاً وأفرد مثل لإرادة الجنس للإضافة للجمع، فكأنه جمع كما جمع فى قوله تعالى
{ { ثم لا يكونوا أمثالكم } [محمد: 38]، وحور عين كأمثال اللؤلؤ، أو لأنه فى الأصل مصدر يصلح للواحد وغيره، أو لأن المراد أن عصيانكم إذن مثل عصيانهم، وهذا الوجه الأخير لا يصح فى لبشرين مثلنا، وقيل القاعدون مع الخائضين فى القرآن من الأحبار كانوا منافقين، وقيل ضمير إنكم للمنافقين وضمير مثلهم لأحبار اليهود، والمماثلة فى الكفر، ويدل لهذا قوله تعالى { إنَّ اللهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ } المعهودين، أعيد ذكرهم ليصرح بموجب عقابهم، وهوالنفاق، وقيل المراد العموم فيدخلون بالأولى، وقدم المنافقين لتشديد الوعيد على المخاطبين { وَالكَافرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعاً } الخائضين والقاعدين معهم، جمعهم فى مطلق النار، كما اجتمعوا فى الدنيا على مضرة الإسلام والمسلمين، جزاء وفاقا، ولو تفاوتت دركاتهم فإن دركة من نافق بإضمار الشرك أسفل من دركة من صرح بالشرك، وكان المنافقون يجلسون إلى أحبار اليهود فيسخرون من القرآن، فنهى الله تعالى المؤمنين عن مجالسة المنافقين واليهود، وضرب عمر بن عبد العزيز رجلا صائما قعد مع قوم يشربون الخمر، فسئل، فقرأ الآية.