التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
١٥٢
يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذٰلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَاناً مُّبِيناً
١٥٣
-النساء

تيسير التفسير

{ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ } كلهم، مقابل لقوله، إن الذين يكفرون بالله ورسله { وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ } معنى أحد متعدد، فصحت بين، أى بين جماعة، أو بين اثنين { مِّنْهُمْ } أو بين أحد وأحد منهم، وقد مر، ولا حاجة إليه مع قوله تعالى: { { فما منكم من أحد عنه حاجزين } [الحاقة: 47] وقوله: { ولم يفرقوا بين أحد منهم } مقابل لقوله: ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله، ويقولون: نؤمن ببعض ونكفر ببعض، ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا { أَوْلَئِكَ سَوْفَ نُؤْتِيَهِمْ } المشهور أن سوف المضارع للمستقبل الطويل بعد احتماله الحال والاستقبال القريب، وقيل هى لتأكيد مضمون مدخولها المستقبل، وكأنه قيل هو واقع لا محالة ولو تأخر جدا، أو ضد لن يفعل الموضوع للتأكيد، كما قال سيبويه: لن يفعل نفى سوف يفعل، والمضمون هنا هو إيتاء الثواب، كما قال { أُجُورَهُمْ } أى ثواب أعمالهم وإيمانهم { وَكَانَ اللهُ غَفُوراً } لما صدر من ذنوب التائب وإنما يهلك من لا يتوب { رَّحِيماً } بتضعيف الحسنات إلى أكثر من سبعمائة لحسنة واحدة، وقالت أحبار اليهود: إن كنت صادقاً فائتنا بكتاب من السماء جملة كما أوتى موسى بالتوراة جملة، وقيل: بكتاب محرر بخط سماوى على ألواح كالتوراة، وقيل: بكتاب نعاين نزوله، وقيل بكتاب إلينا بأعياننا وأسمائنا، وأنك رسول الله فنزل قوله تعالى:
{ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكِتَابِ } سؤال تعنت، ولو سألوه ليتبين الحق لنزل ما طلبوا كما قاله الحسن { أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَآءِ } وليس ذلك ببدع منهم ولا أول جهالتهم، ولا تستعظمه ولا تبال به لأنه قد سبق أكثر من ذلك منهم، كما قال { فَقَدْ سَأَلُوا } أى لأنهم قد سألوا، أو إن استعظمت ذلك وعرفت ما كانوا عليه تبين لك رسوخ كفرهم، والواو لأهل الكتاب كلهم { مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ } وهو مجمل بينه بقوله { فَقَالُوا أَرِنَا اللهُ جَهْرَةً } وإنما سأل هذا أوائلهم، لكنهم لما كانوا على مثل هذا السؤال وراضين عنه ومصوبين لأفعالهم وأقوالهم نسب إليهم السؤال، ويجوز رجوع الواو إلى البعض السائلين القائلين فلا مجاز، قال بعض المحققين، إسناد فعل البعض إلى الكل وقع فى نحو ألف موضع من القرآن، ولا أراه يصح، شبه إظهار ما يرى بإظهار الصوت المسموع، فسماه جهرة على الاستعارة، وأصل الجهر فى الصوت، أو أطلق الجهر على مطلق الإظهار، فهو مجاز مرسل لعلاقة الإطلاق والتقييد، والمعنى، أرنا الله مجاهرا إلينا، بفتح الهاء، أو أرنا الله مجاهرين له، أو إراءة جهرة، أو أجهر لنا به جهرة كقمت وقوفا فجهرة حال من لفظ الجلالة أو من نا، أو مفعول مطلق خرج سبعون رجلا من بنى إسرائيل مع موسى عليه السلام إلى الجبل فقالوا، أرنا الله جهرا { فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ } نار من السماء فأهلكتهم، وقيل الموت { بِظُلْمِهِمْ } لظلمهم أنفسهم، ودين الله بطلب ما هو محال فى حق الله، وهو رؤيته، فإنه نقص وشبه بالمخلوق، وما كان نقصا يتنزه الله عنه فى الآخرة كما تنزه عنه فى الدنيا فلا يرى فى الآخرة، وبيان الشبه ولانقص الجهات والحدود والحلول والغلظ والرقة والطول والعرض المستلزمات للون، وقومنا يقولون ظلمهم هو إباؤهم عن الإيمان حتى يروه، وذكر الجهرة مع أن رؤية العين لا تكون إلا جهرة زيادة فى التشنيع عليهم، أو تحرز عن توهم الرؤية بدليل لا بالعين { ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ } إلهاً، صوروه من الذهب والفضة وجواهر، والترتيب فى الإخبار لا فى الزمان، أن اتخاذهم العجل فى حال سؤال من ذهب مع موسى إلى المناجاة أو قبله أو بعده { مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ } على وحدانية الله تعالى { البَيِّنَاتُ } المعجزات من اليد والعصا وفلق البحر، وسائر كل ما يدل على وحدته تعالى بالألوهية، لا التوراة، لأنهم اتخذوا العجل قبل نزولها، ونسب إليهم اتخاذ العجل لأنه فعل آبائهم، وقد رضوا عنه، وفعلوا ما يشبه اتخاذ العجل من البدع { فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ } لم نعاقبهم عليه لتوبتهم، فتوبوا أنتم من كفركم نعف عنكم كما عفونا عن آبائكم { وَءَاتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً } تسلطاً عليهم، بأن أمرهم أن يقتلوا أنفسهم توبة عن اتخاذ العجل فأطاعوه، فقتل منهم سبعون ألفاً { مُّبِيناً } ظاهراً.