التفاسير

< >
عرض

ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً
٣٤
-النساء

تيسير التفسير

{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ } عظام القيام وكثيروه { عَلَى النِسَّآءِ } بالنفقة والكسوة، والسكنى، والتأديب وتعليم الدين , والمنع عن الخروج، والظهور إلا لضرورة، والحفظ، نشزت حبيبة بنت زيد زوج سعد بن الربيع، أحد نقباء الأنصار، فلطمها، فانطلق بها أبوها إلى النبى صلى الله عليه وسلم وقال: قد لطم كريمتى، فقال لتقتص من زوجها، فانصرفت مع أبيها لتقتص من زوجها، فقال صلى الله عليه وسلم: "ارجعوا فهذا جبريل أتانى، ونزل علىَّ بقوله تعالى الرجال قوامون على النساء" ، وفى الأثر قصاص بين الزوجين فيما دون الموضحة { بِِمَا قَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضِ وَبِمَآ أَنفَقُوا } كمؤونة وصداق { مِنْ أَمْوَالِهِمْ } إلى خبيرا، وقال صلى الله عليه وسلم: "أردنا أمراً وأراد الله أمراً، والذى أراد الله خير" ، وقيل الآية والقصة فى سعد بن الربيع وامرأته خولة بنت محمد بن سلمة، وقيل فى جميلة بنت عبد الله ابن أبى، وزوجها ثابت بن قيس بن شماس، والبعض الفضل هم الرجال، والبعض المفضل عليهم هم النساء، والهاء للذكور والإناث، وغلبهم وأجمل إذا لم يقل بما فضلهم الله عليهن، لظهور أن المفضل الرجال، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "النساء ناقصات عقل ودين" ، وجاء أنه كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع، آسية، مريم، وخديجة، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، والتفضيل أيضاً، فحمل لظهوره، وهو بالقوة والعلم والعقل، وقوة العمل والتدبير، ولذلك خصوا بالنبوة وبإمامة الصلاة للرجال والسناء، والإمامة العظمى، وزيادة النصيب فى الميراث، وتزوج أربع، وكون شهادة الواحد شهادة اثنتين، وتزويج القرابة والعبيد والإماء والموالى، والفرقة، إلا إن جعلت فى يد امرأة بوجه جائز، والأذان والإقامة، والخطبة، وشهادة الحدود، والقصاص، والنكاح، وأجاز بعضهم شهادتهن في النكاح والحدود غير القتل وإذا كان الرجل قواماً على زوجته فله الحجر عليها فى مالها، لا تتصرف فيه إلا بإذنه، وله تأديبها، وإن ضيعها فى النققة والكسوة لفقره لم ينفسخ بل نظرة إلى ميسرة وقال الشافعى ومالك يجوز فسخه { فَالصَّالِحَاتُ } منهن { قَانِتَاتٌ } عابدات الله عز وجل مطيعات لأزواجهن { حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ } أى لموجَب غيبته أو غيبتها بفتح الجيم، أى لما يوجبه الغيب وهو أن تحفظ نفسها عن الزنى، لئلا يلحق زوجها عار الزانى، ولئلا يكون له ولد من ماء الزنى، وتحفظ ماله عن الضياع، قال صلى الله عليه وسلم: "خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك فى مالك ونفسها" ، فقرأ الآية حافظات لما غاب عن الناس من سره وأمر فراشه وحاله معها، والكلام إخبار بأن الصالحات منهن من كن على ذلك الوصف ولا حاجة إلى دعوى أنها بمعنى الأمر { بِمَا حَفِظَ اللهُ } بحفظ إياهن، بأن يوفقهن لحفظ أنفسهن لأزواجهن، وحفظ أحوالهم وأسرارهم، وبالوعيد على خلاف ذلك، والوعيد على وفاقه، أو بالذى حفظ الله لهن على أزواجهن من الصداق، والمؤونات، والقيام بحفظهن، والذب عنهن { والَّلاتِي تَخَافُونَ } تظنون، ويكون الخوف بمعنى العلم أيضا كما بعد، وحمله القراءة على العلم، وأصله حالة تحصل في القلب عند حدوث أمر مكروه في المستقبل { نُشُوزَهُنَّ } عصيانهن أو كراهتهن لكم، وأصله الترفع عن الشىء، أو إلى الشىء والنشز أيضاً المكان المرتفع، وذلك بظهور إمارته فى قولها، مثل أن تكون تقوم إليه إذا دخل، وتبادر إلى أمره وفراشه، باستبشار إذا التمسها وتركت ذلك، أو تكون بعيدة عن ذلك من أول وفى الآية عقابها على ما لم يتحقق، وقدر بعض تخافون نشوزهن ونشزن، وقدر بعض تخافون دوام نشوزهن، أو ازدياده إلى أقصاه، وهو الفرار عن المرقد، قلت بل تؤدب على النشوز مطلقا، وعلى أمارته بل ترك إجابتها نشوز { فَعِظْوهُنَّ } يقول لها: اتقى الله، فإن لى عليك حقَّا واحذرى عقابه، وارجعى عما أنت عليه، واعلمى أن طاعتى واجبة عليك { وَاهْجُرُوهُنَّ فِى المَضَاجِعِ } الفرش التى للرقاد إذا تحقق نشوزهن، فبيتوا فى غير بيت يبتن فيه، أو فى بيوتهن فى غير فرشهن، أو فى فرشهن بلا ملامسة وبلا مداخلة فى لحاف واحد، أو تولية ظهورهم ولا جماع، وذلك على ترتيب أحوالهن، وفى ضمن ذلك أن لا يظلمها، فإن كانت تحبه شق ذلك عليها، وإلا دل على بغضها له وكمال النشوز، فيضربها كما قال الله عز وجل { وَاضْرُبُوهُنَّ } ضرباً غير مبرح، ولا مورثاً عيباً فى بدنها، وهكذا تحمل الآية على الترتيب، كما قال عليّ: يعضها بأسنانه، فإن انتهت فلا سبيل له عليها، وإن أبت هجرها فى المضجع، وإن أصرت على الإِباء ضربها وإن لم تتعظ بالضرب بعث الحكمين، وقيل الترتيب فى خوف النشوز، وإذا تحقق فله الجمع بين الوعظ والهجر والضرب، وفى الآية تدريج من خفة إلى ثمل، وتضرب على ترك الصلاة أو الغسل أو الوضوء، وعلى ترك الصوم، وعلى ترك التزين إن أراده، وترك الإجابة، وعلى الخروج من البيت بلا عذر، وكان الزبير بن العوام يضرب من أغضبه من نسائه، وهن أربع، يعود المشجب حتى يكسر، كما روت زوجته أسماء بنت الصديق عنه، وفى الحديث الإشارة إلى أن ترك الضرب أولى، وقد أباحه الله، إذ قال أيضربها كالعبد أول النهار ثم يجامها آخره، معطوف على إلا إِن ترك الضرب، أو إلى أن جماعها قريباً منه ضربها تجسير لها ونقض لضربها، وإبهام أنه مضطر إليها، وعنه صلى الله عليه وسلم: "اضربوهن، ولا يضربهن إلا شراركم" ، رواه القاسم بن محمد مرسلا { فَإِن أطْعنَكُمْ } فى مرادكم { فَلاَ تَبْغُوا } تطلبوا { عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } أو لا تظلموهن بسبيل مضرة، وذلك بضرب بعد الطاعة، أو توبيخ، وإيذاء وتعيير بما مضى، أو لا تكلفوهن ما يكون فى القلب كالحب { إنَّ اللهَ كَانَ عَلِيَّا كَبِيراً } احذروا عقابه، فإنه أقدر عليكم منكم عليهن، ومع هذا يتجاوز عن سيئاتكم ويتوب عليكم، وأنتم أحق بأن تتجاوزوا عنهن، وأنه أعظم من أن يجوز على أحد أو ينقص حقه، فاتصفوا أنتم بهذه الصفة، والله عفو يحب العفو، وقد أخرج الربيع بن حبيب وغيره حديث أن أبا مسعود رفع السوط على غلام ليضربه، فقال صلى الله عليه وسلم: "اعلم أبا مسعود، أن الله أقدر عليك منك عيله" ، فرمى السوط... الحديث.