التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً
٥٨
-النساء

تيسير التفسير

{ إنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } أمانات الله من أوامره ونواهيه، وأمانات الأزواج والأولاد والعبيد، وسائر رعية الإنسان، وأمانات سائر الخلق فلا يخون الإنسان بإفشاء سر، ولا تضييع مال أو إفساده، وسبب نزول الآية خاص، نزلت بمكة، لما فتحت مكة أغلق عثمان بن طلحة ابن عبد الدار البيت وصعد السطح فطلب صلى الله عليه وسلم المفتاح، فقيل إنه مع عثمان، فطلب منه، فأبى وقال: لو علمت أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أمنعه المفتاح، فلوى على بن أبى طالب يده وأخذه منه المفتاح وفتح الباب، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت، وصلى ركعتين، وأخرج منه تمثال إبراهيم وقداحا يستقسمون بها، والمقام وكان داخل البيت، وقال: قبحهم الله، ما شأن إبراهيم والقداح، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله العباس أن يعطيه المفتاح ويجمع له السقاية والسدانة، فنزلت الآية، فأمر عليَّا أن يرده إلى عثمان ويعتذر إليه، ففعل، فقال عثمان: أكرهتنى وآذيتنى، ثم جئت برفق إلىَّ، فقال: لقد أنزل الله فى شأنك قرآنا، فقرأها، فقال عثمان: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فهبط جبريل فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن السدانة فى أولاد عثمان أبداً، لا ينزعها منهم إلا ظالم وشهد أن عثمان بن طلحة أسلم فى هدنة الحديبية مع خالد وعمرو بن العاص كما رأيت فى استيعاب أبى عمر يوسف بن عبد البر، وهاجر عثمان بعد، ودفع المفتاح لأخيه شيبة وشهد أنه لم يمتنع، لكن كلما أراد إعطاءه إياه صلى الله عليه وسلم سأل العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيه إياه فيأبى عثمان، حتى قال صلى الله عليه وسلم بعد الامتناع الثانى إن كنت تؤمن بالله فأعطنيه، فأعطاه، فقال خذه على أمانة الله، وعلى كل حال هو أمانة فى يد عثمان ممن قبله، وهكذا حقق، والتحقيق أن الخطاب عام، وقيل لولاة الأمر ويناسبه قوله تعالى { وَإذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } الواو داخلة على تحكموا، عاطفة له على تؤدوا، وإذا خارج عن الشرط متعلق بتحكموا على أنه لا صدر لأَن المصدرية وذلك قول الكوفيين، أى أن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وأن تحكموا بالعدل إذا أردتم الحكم بين الناس، والبصريون يعطفون إذا على محذوف أى إن الله يأمركم فى كل وقت بأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وفى وقت الحكم بين الناس بأن تحكموا بالعدل، أو يعلق بيأمر، مقدرا أى ويأمركم إذا حكمتم الخ والأمر من الله سابق لكن اعتبر تعلقه بالحكام، والخطاب لكل من يصلح للحكم ممن عينه الإمام أو السلطان فينفذ أمره، أو لم يعينه فلا ينفذ إلا برضى الخصمين، ولو نفذ فيما بيهما وبين الله، روى أن صبيين تحاكما إلى الحسن بن على، أيهما أجود خطا، فقال على: يا بنى انظر كيف تحكم، فإن الله تعالى سائلك عما تحكم به يوم القيامة، وقال صلى الله عليه وسلم: "يا على سوٍّ بين الخصمين فى لفظك ولحظك" { إنَّ اللهَ نِعَمَّا يَعْظُكُم بِهِ } من أداء الأمانات والحكم بالعدل { إنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً } بكم وبأحوالكم، ومنها حالكم فى الأمانات والحكم، ما واقعة على الشىء موصولة، أى نعم الشىء الذى يعظكم به تأدية الأمانة والحكم بالعدل.