التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ
٣٠
-الشورى

تيسير التفسير

{ وما أصابكُم } أيها المكلفون المؤمنون والكافرون { مِنْ مُصيبةٍ } كمرض وحزن واحتياج { فبما كَسَبت أيديكُم } من الذنوب، أو من سوء التدبير لأبدانكم وأحوالكم، وما موصولة لعدم الفاء فى جوابها، ولداع مثل هذا يقال بموصوليتها، لأن الأصل أن لا تحذف الفاء فى جواب الشرط، ولو كان الشرط ماضياً، وليس أنكم لمشركون جوابا لأن فى سورة الأنعام "بما كسبت أيديكم" خبر، ويجوز أن تكون شرطية، ويقدر الجواب بما يصلح شرطا، فلا يحتاج للفاء، أى أصابكم بما كسبت أيديكم، ويدل على ذلك قراءة فيما بالفاء، التى هى أصل فى الشرطية، أى فاصابته إياكم بما كسبت أيديكم { ويعْفو عن كَثيرٍ } من ذنوبكم، وسوء تدبيركم، لا يرتب عليه سوءا، أو عن كثير من الناس، والمتبادر الأول، ويدل له رواية أبى موسى، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يصيب عبدا نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر" وقرأ { ما أصابكم } الآية رواه الترمذى.
ولما نزلت قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم:
" "والذي نفسي بيده ما من خدش عود أو اختلاج عرق ولا نكبة حجر، ولا عثرة قدم إلا بذنب وما يعفو الله عز وجل عنه أكثر" وعن عكرمة: ما من نكبة أصابت عبدا فما فوقها الا بذنب لم يكن الله ليغفر له إلا بها أو درجة لم يكن الله ليرفعه لها إلا بها " وفى الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يصيب المؤمن شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها سيئة" وكانت أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنه تصدع فتقع يدها على رأسها وتقول: بذنبى وما يغفر الله تعالى أكثر.
وقيل لشريح: بم هذه الفرحة فى كفك؟ فقال: بما كسبت يدى وما أصاب الأنبياء ونحوهم ممن لا ذنب له، فهو لرفع الدرجات، أو لتأديب عن شىء ما، وما أصاب الطفل ونحوه ممن لم يكلف يثاب عليه فى الآخرة، ويثاب عليه أبواه، ومن يشق عليه بحسن الصبر، قال على: ألا أخبركم بأفضل آية فى كتاب الله تعالى حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" وسأفسرها لك يا على، وما أصابك من مرض أو عقوبة أو بلاء فى الدنيا، فبما كسبت أيديكم، والله تعالى أكرم من أن يثنى عليكم العقوبة فى الآخرة، وما عفا الله عنه فى الدنيا فالله سبحانه أكرم من أن يعود بعد عفوه، ولا يخفى أن المراد ما تيب عنه، وأما ذنب أصيب ولم يتب عنه، فمعاقب عليه فى الآخرة، وما أصيب به من جلد وقطع ونحوهما لا يكفر عنه ذنبه إن لم يتب عوقب بذنبه فى الآخرة.