التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٥
-الحجرات

تيسير التفسير

{ ولو أنَّهم صَبَروا } عن النداء، لو ثبت تحقق صبرهم، قدرت الفعل لأن أدوات الشرط لا بد من فعل يليها، وقدرت تحقق صبرهم لمكان أن من التأكيد، وهكذا قل فى مثل ذلك ولا تقدر المصدر وحده بلا تقدير لما يدل على معنى التأكيد، وسيبويه يقدر المبتدأ تاليا لأداة الشرط، فقيل: يقدر له خبر، وقيل: لا يقدر، وما ذكرت أولى.
{ حتَّى تخْرج إليْهم } بلا نداء تأدبا، لأنه صلى الله عليه وسلم عالم بحضورهم من الله، أو بخبر انسان، أو بسماع أصواتهم قبل النداء، لأنهم قد سمعوا نداء بلال رضى الله عنه للصلاة، فهو يخرج لها، أو صبروا عن تكرير النداء، وعن ترك الأدب، واختار حتى عن الى للاختصار، لأن الى قبل المضارع المنصوب لا بد من ذكر ان الناصبة للفعل بعدها، وقيل: لأن الى يجوز أن تكون غاية لمعين عند المتكلم، وغير المعين مثل: لا تكرم زيدا الى أن يجىء، ومدة المجىء لم يعرف المتكلم قدرها وعينها، وحتى لا تكون الا فى المعين، ومدة المكث عن الخروج معلومة عند الله لو يمكث، قلت: لا أسلم هذا الشرط، وانما امتنع: سهرت الليلة حتى ثلثها لعدم ظهور المراد، والمعنى ولو قيل ذلك على تقدير حتى آخر ثلثيها، أو حتى انقضاء ثلثيها لجاز وقوله:

عينت ليلة فمازلت حتى نصفها راجياً فعدت يئوسا

فمعناه عينت للزيارة ليلة، فمازلت راجيا حتى يتم الوقت المعين للزيارة عندها، أو فى العادة، وهو النصف الأول من الليل، واختار حتى لأنها أظهر دلالة على الغاية المناسبة للحكم، وتخالف ما بعدها وما قبلها.
{ لكَانَ } ثبوت تحقق صبرهم { خيراً لهم } نفعا زائدا عما حصل لهم بخروجه مع استعجالهم، سوء أدبهم، فخيرا على بابه من التفضيل، لأن خروجه اليهم، وملاقاتهم به، أمر يرغب فيه، ولا سيما أنه قد حصل به لهم الايمان، والمراد خيراً لهم فى الدين، وأدب الدين، وقيل: خيرا لهم بأن يعتقهم كلهم لا نصفا فقط، واذا سلمنا هذا قلنا: خيرا لهم بالدين واعتاق الكل { والله غَفور رَحيمٌ } فلم يهلكهم أو يعذبهم بذلك النداء، أو غفور رحيم لمن أسلم، وذلك لسعة غفرانه ورحمته، كما قال للأقرع لما أسلم: لا يضرك ما مضى أى من اشراك ومعصية ونداء جاف، قال أبو عبيدة، ما دققت بابا على عالم يخرج فى وقت خروجه، وكذا قال قاسم بن سلام الكوفى.
وكان ابن عباس يذهب الى أبى لأخذ القرآن والعلم، فيمكث عند بابه حتى يخرج، وقال له يوما: هلا دققت الباب؟ فقال: العالم فى قومه كالنبى فى أمته، وقد قال الله تعالى فى حق نبيه عليه الصلاة والسلام: { ولو أنهَم صبروا حتى تخْرج إليْهم لكان خيراً لهم }.