التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ
١٠٦
-المائدة

تيسير التفسير

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ } أَى عليكم شهادة بينكم، أَو فيما أَمرتكم به شهادة بينكم، أَو فرضت شهادة بينكم، فاثنان بعد تقدير يشهد اثنان أَو ليشهد اثنان بلام الأَمر، أَو هو فاعل شهادة، أَو شهادة بينكم اثنان، أَى شهادة اثنين أَو أَهل شهادة بينكم اثنان، وأَضيفت الشهادة إِلى البين باعتبار جريانها بينهم، أَو باعتبار تعلقها بما يجرى بينهم من الخصومات، والمراد بالشهادة ظاهرها أَو الإِشهاد، والمعنى على الأَول إِخبار أَحد بحق على أَحد أَو حضور وصية المحتضر. وعلى الثانى إِشهاد المحتضر عدلين على ما يوصى به، أَو إِحضارهما للشهادة، وقيل الشهادة بمعنى الشهود كرجل عدل. { إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الموْتُ } أَى حضره مبدؤه بحسب ما يظهر فهو حضور حقوق، وإِن أُريد الموت التام فالمعنى إِذا قاربه وظهرت أَمارته، وإِذا متعلق بشهادة خارج عن الشرط والصدر. { حِينَ الوَصِيَّةِ } بدل من إِذا كما أَبدل " { يومئذ يتذكر الإِنسان } "[الفجر: 23] من " { إِذا دكت الأَرض } " [الفجر: 21] أَو متعلق بحضر أَو بالموت، وفى الإِبدال تنبيه على أَن لا يتهاون بالوصية إِذ جعل زمانها حضور الموت، والوصية كالموت لا تتخلف عن ذلك الزمان كما لا يتخلف الموت، والوصية بمعنى الإِيصاء { اثْنَانِ } وصيان اثنان أَو شاهدان اثنان وجه الأَول أَن الآية نزلت فيها، ولقوله فيقسمان، والشاهد لا يحلف إِلا أَن الأَصل أَن لا يتعدد ولكن عدد تأْكيداً وعليه تكون الشهادة بمعنى الحضور { ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } من أقاربكم أَو منكم معشر المسلمين، كذا قيل، وفيه أَنه لم يجر للمشركين ذكر سوى مقابلته بعد قوله من غيركم، ومنكم نعت ثان لاثنان أَو حال { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } من غير أَقاربكم فلا مدخل للمشركين فى الشهادة لمسلم أَو عليه، أَو من غيركم معشر المسلمين وهم المشركون، ومعنى عدالة المشركين تحرزهم عن الكذب كما تقبل شهادة قوم غلبونا أَو غلبناهم على الصحيح إِذا كانوا عدولا في مذهبهم. ثم نسخت إِجازة شهادة المشركين لما كثر المسلمون، وسواء أَهل الكتاب وغيرهم، ولو نزلت في قصة أَهل الكتاب وإن وجدتم المسلمين فاستشهدوهم لا المشركين، قال شريحرحمه الله : وإِنما جازت قبل النسخ فى السفر لأَنه مظنه الحاجة إِليها كما قال. { إِن أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِى الأَرْضِ } أَى سافرتم، وقيل لم تجز شهادة المشركين على المسلم أَو له قط فضلا عن أَن تنسخ، وقيل جائز عند السفر للضرورة بلا نسخ، وعن أَبى موسى الأَشعرى أَنه حكم حين كان والياً على الكوفة بمحضر من الصحابة بشهادة ذميين بعد تحليفهما فى وصية مسلم فى السفر، وبه قال أَحمد، والأَصل إِن ضربتم فحذف ضرب الأَول وانفصل فاعله المتصل، وكذا كلما حذف العامل فى المستتر أَو المتصل وحده انفصل الضمير، وذلك قيد لقوله أَو آخران من غيركم، والقيد الآخر حضور الموت، أَو قيد للمسأَلة كلها إِرشادا للمصلحة، كما أَنه يجوز أَن يراد بغيركم غير أَقاربكم وهم مسلمون أَجانب، وجملة شهادة بينكم إِلخ إِخبار بأَن الأَمر الشرعى ما ذكر، أَو بمعنى الأَمر { فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الموْتِ } قاربتم الموت، ويجوز أَن يكون إن أَنتم ضربتم كلاماً غير قيد لما قبله، وإِن أَنتم ضربتم في الأَرض فأَصابتكم مصيبة الموت فأَوصيتم إِلى اثنين عدلين في ظنكم وجمعتم إِليهم ما معكم من المال ثم متم، وذهب الاثنان إِلى ورثتكم بالتركة فارتابوا في أَمرهما وادعوا عليهما خيانة فالحكم أَن تحبسوهما من بعد الصلاة استيثاقاً منهما { تَحْبِسُونَهُمَا } توقفونهما عن الذهاب حيث شاءَا، نعت لآخران، أَو جواب سؤال يفرض كأَنه قيل كيف نعمل بالشهادين إِن ارتبنا فقال تحبسونهما { مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ } صلاة العصر المعهودة للتحليف عندهم؛ لأَنه وقت اجتماع وتصادم ملائكة الليل وملائكة النهار، ولتكثر الشهود، ولأَن جميع الملل يعظمون هذا الوقت ويجتنبون فيه الحلف الكاذب، وقال الحسن: صلاة الظهر أَو العصر؛ لأَن أَهل الحجاز يقعدون للحكم بعدهما، وقيل أَى صلاة لأَن الصلاة داعية إِلى الصدق ومجانبة الفحشاء والمنكر، وقيل من بعد صلاتهما على أَنهما مسلمان { فَيُقْسِمَانِ } يحلفان { بِاللهِ إِن ارْتَبْتُمْ } ارتاب الوارث، والمراد الجنس الصادق بالواحد فصاعدا، أَو خاطب المسلمين عموماً لأَن الورثة منهم ويجرى الحكم على أَيديهم، أَو إِن ارتبتم معشر الورثة الواحد فصاعدا، والارتياب يتصور بالخيانة من الشاهدين أَو بأَخذهما شيئاً من التركة، وجواب إِن أَغنى عنه تحبسونهما ويقسمان بالله وجواب يقسمان هو قوله { لا نَشْتَرِىِ بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } وإِن لم ترتابوا فلا حلف، وهاء به قيل عائدة إِلى الله أَى لانشترى بيمين الله، وقيل: إِلى الإقسام أَى الحلف المعلوم من قوله يقسمان، وقال الفارسى: إِلى تحريف الشهادة، وهو أَقوى من حيث المعنى لأَنه أَليق باجابة القسم لأَنه المقام للحلف على ما بأَيديهما، والصدق فيما قالا في شأنه، قيل إِلى الشهادة والتذكير لأَن فيها معنى القول، وأَما إِذا عادت إِلى الله أَو إِلى الإِقسام فلا تكفى جملة لا نشترى جواباً بل يقدر الجواب وتكون الجملة مفعولا به لقول مقدر هكذا، فيقسمان بالله إِن ارتبتم إِنا لصادقان فيما قلنا في شأن المال أَو فى أَمر الوصية ما خنت فى المال الذى بيدى، ويقولان لا نشترى أَو قائلين لا نشترى، وحاصل ذلك أَن الجملة مستتبعة لجواب القسم لا نفس الجواب. كما عهد الحالف أَن يزيد على قسمه ما يؤكد به جوابه، والثمن العرض المأخوذ على التحريف من المال على سبيل الفرض والتقدير، والشراء على ظاهره، ويجوز أَن يكون بمعنى البيع فيكون الثمن المثمن وهو التحريف وضمير كان عائد إِلى المقسم له والمعلوم من يقسمان أَو المشهود له المعلوم من لفظ شهادة، والأَول أَولى لقربه والثانى أَولى لكونه مبنى الكلام، والقربى قرابة النسب أَى ولو كان قريباً مناسباً { وَلاَ تَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ } عطف على لا نشترى، والمراد الشهادة التى أَمرنا الله بأَدائها ولأَمره بها أُضيفت إِليه { إِنَّا إِذاً } إِذ كتمناها لو كتمناها { لَمِنَ الآثِمِينَ }.