التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٢
-المائدة

تيسير التفسير

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللهِ } مناسك الحج ودينه الذى حد لعباده وفرضه، وأَما الذى لم يفرضه وهو النفل فلا يحرم إحلاله لأَنه يحل تركه إِلا أَن يقال إِحلاله اعتقاد أَنه ليس من الدين، كما أَن تحريم المحرمات من الدين وفعلها إِحلال لها واعتقاد حلها إِحلال لها، ويجب إتمام النفل بعد الدخول فيه، وعن ابن عباس: الشعائر المناسك كان المشركون يحجون ويهدون فأَراد المسلمون أَن يغيروا عليهم فنهاهم الله عن ذلك، وعنه "إِحلال الشعائر أَن تصيد وأَنت محرم" ويقال: الشعائر الهدايا المشعر بالطعن فى أَسنمتها، قال الله تعالى: " { والبُدْنَ جَعَلْنَاها لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ } " [الحج: 36] وقال: " { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله } " [الحج: 32] فى دينه، والمفرد شعيرة بمعنى مشعرة فعيلة بمعنى مفعلة أَى معلمة، كما يستعمل سميع بمعنى مسمع، أَو الشعيرة اسم لما جعل علامة وأَعمال الحج ومواقفه وعلاماته، ودين الله أَعلام قدرته وأَلوهته، وإِحلال دين الله مخالفته وإِحلال الهدى صده وسلبه عن مشرك جاءَ به، والصيد فى الإِحرام، ويقال: شعائر الله الإحرام والطواف والسعى والحلق والنحر وإضافتها لله تعالى تعظيم لها وتهويل للخطب فى إحلالها، وقيل: ما نصب فرقاً بين الحل والحرم، وحلها نزعها أَو مجاوزتها بلا إحرام إلى مكة، وقيل الصفا والمروة والهدى، فالشعور يوقع على تلك المواضع يعلم أَنها مواضع الحج، وعلى الحاج يعلم الناس بها أنه حاج، هكذا الأَفعال وإِحلاله سرقته أَو غصبه أَو منعه أَن يصل محله، كل ذلك حرام، { وَلاَ الشَّهرَ الحَرَامَ } بالقتال فيه والسبى، ذا القعدة وذا الحجة والمحرم ورجبا، وهو أَكمل الأَشهر الحرم فى هذه الصفة، وأل للجنس، وقيل المراد رجب لما مر أَنه أَكمل، وقيل ذو القعدة، وعليه عكرمة وقيل الإِحلال فى ذلك النسيىء والأَنسب بالمؤمنين غيره. { وَلاَ الهَدْىَ } ما أهدى إلى الكعبة من بعير أَو بقرة أَو شاة، وغير ذلك مما يتقرب به إلى الله عز وجل، لا تتعرضوا لذلك والمفرد هدية بإِسكان الدال. { وَلاَ القَلاَئِدَ } الأَنعام ذوات القلائد المهداة، خصها بالذكر بعد لعموم مزيتها أَو نفس القلادات من لحاءِ شجر ونعال فإذا كان لا يتعرض لما قلدت به الأنعام بالأخذ أَو بالإِلغاءِ أَو بالإِفساد، فأَولى أَن لا يتعرض لهذه الأَنعام التى قلدت كقوله تعالى: " { ولا يبدين زينتهن } "[النور: 31] فأَولى مواضع الزينة من أَبدانهن، وتعليق القلادة يكون بالعنق ويكون أيضاً بغير لحاءِ الشجر والنعال، وذلك ليعلم أَنه هدى فلا يتعرض له، واللحاءِ بالقصر والمد قشر الشجر، فيجب التصدق به إِن كانت له قيمة، كما يحب التصدق بما جعل على الهدى من نحو ثوب أَو وطاء، ويجوز أَن يكون القلائد ما يقلده الجاهلية على أنفسهم وإبلهم من لحاءِ الشجر من الحرم ليأمنوا على أَنفسهم وإبلهم، وقيل كان أَهل الحرم يقلدون أنفسهم بلحاءِ شجر الحرم، وغيرهم بالصوف والشعر وغيرهما، فنهاهم الله عن قطع ذلك من شجر الحرم، أَو نهى عن التعرض لمن تقلد بذلك، وهذا ضعيف لأنه يوهم إِبقاءَهم على جواز قطع ذلك وجعله قلادة لهم ولإِبلهم. { وَلاَ آمِّينَ } قاصدين { البَيْتَ الحَرَامَ } زيارة البيت الحرام مسلمين أَو مشركين، روى أَن الحكم خلف خيله خارج المدينة فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إلام تدعو؟ فقال: إِلى شهادة أَن لا إِله إِلا الله وإِقام الصلاة وإِيتاءِ الزكاة. فقال: حسن، ألا إِن لى أُمراء لا أَقطع أَمراً دونهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: يدخل عليكم رجل يتكلم بلسان شيطان، ولما خرج قال صلى الله عليه وسلم: دخل بوجه كافر وخرج بعقبى غادر، وما هو بمسلم" . فأَغار على سرح المدينة فأَسرع ولم يلحقوه فجاءَ به هدياً من قابل عام عمرة القضاءِ من اليمامة، فأَرادوا الإِغارة عليه فنزلت الآية: لا تتعرضوا لهم بمنعهم عن الزيارة أَو بأَذاهم أَو بما يفسد إِحرامهم أَو بقتلهم، وقدر بعض قتال آمين أَو أَذى أَمين، ونصب آمين المفعول به لأَنه للحال. { يَبْتَغْونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً } حال من الضمير المستتر فى آمين، والفضل الرزق، والرضوان ثواب الآخرة. روى أن الآية نزلت عام القضية فى حجاج اليمامة لما همَّ المسلمون أَن يتعرضوا لهم بسبب أَنه كان فيهم الحكم بن ضبيعة، وكان قد أستاق سرح المدينة، فالآية منسوخة والمراد عام عمرة القضاءِ ويروى أن الحكم ابن ضبيعة أتى النبى صلى الله عليه وسلم من اليمامة إِلى المدينة فعرض عليه صلى الله عليه وسلم الإِسلام فلم يسلم، فلما خرج من عنده مر بسرح أَهل المدينة فساقها وانتهى إِلى اليمامة، ثم خرج من هناك نحو مكة وقد قلد ما نهب من سرح المدينة وأَهداه إِلى الكعبة ومعه تجارة عظيمة، فهم أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أَن يغيروا على أَمواله، فنزل قوله تعالى: { ولا آمين...إلخ } أَى لا تحلوها بالإِغارة عليها، وقيل المراد بالآمين المشركون، والفضل ربح التجر، والفضل ما فى زعمهم ويناسبه ما قيل من نزول الآية فى الحكم المذكور، وهو من بنى ربيعة ويقال الحكم بن هند، وما قيل أَنها نزلت فى فوارس مشركين يهلون بعمرة، فقال المسلمون: هؤلاءِ مشركون نغير عليهم كما أَغار الحكم علينا، وهذا يوم فتح مكة ونسخ بقوله تعالى: " { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } "[التوبة: 5] وقوله تعالى: " { فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } " [التوبة: 28] وعن ابن جريج لا نسخ لجواز أَن يبتدى المشركون فى الأَشهر الحرم بالقتال، وقيل لم ينسخ من الآية إلا القلائد. { وإِذا حَلَلْتُمْ } من الإِحرام المذكور بقوله وأَنتم حرم { فَاصْطَادُوا } إِن شئتم، فالأَمر للاباحة بعد الحظر كقوله تعالى: " { فإِذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأَرْض } "[الجمعة: 10] فإِن علة حرمة الاصطياد وترك البيع معللة بالإحرام والاشتغال بأُمورالصلاة وبالصلاة، فوجب أَن تنتهى الحرمة بانتهاءِ علتها، فيرجع الحكم إِلى أَصله من الإِباحة، أَنه قيل: فقد أبحت لكم الصيد، وهذا مذهبنا ومذهب أَكثر الفقهاءِ وأَكثر المتكلمين لقرينة سبق الحظر، وقيل؛ للوجوب ونسبه الاسفرايينى إِلى الفقهاء كلهم وأَكثر الشافعية وأَكثر المتكلمين وهو غلط، إِذ لم يتفق عليه الفقهاءِ؛ ووجه الوجوب فى هذا القول إِما المبالغة فى صحة المباح حتى كأَنه واجب، وإِما وجوب اعتقاد الحل فيكون التجوز فى مادة الاصطياد، كأَنه قيل: اعتقدوا حل الصيد، وهو ضعيف إلا أَن يئول إلى معنى وجوب اعتقاد تمام الواجب والفراغ منه، ووقف إمام الحرمين فى ذلك. { وَلاَ يَجَرِمَنَّكُمْ } لا يحملنكم فيقدر على فى قوله أَن تعتدوا أَو لا يكسبنكم فيكون أن تعتدوا مفعولا ثانياً كما إِن كسب الثلاثى يجوز أَن يتعدى لاثنين. { شَنَآنُ } بغض { قَوْمٍ } مشركين أَى إبغاضكم قوماً، وهذا أَولى من تفسيره بإِبغاض قوم لكم وهو فعلان بالفتح مصدر، أَو قل فى المصدر فعلان بالإِسكان كلواه وليان فى الصفة كعدوان بفتح الدال بمعنى شديد العداوة وتيس عدوان أَى كثير السير وحمار قطوان عسير السير والمراد هنا المصدر، وقرىء بالإسكان وأَجازوا فى كل من الإسكان والفتح الوصف والمصدر. { أَنْ صَدُّوكُمْ } أَى لأَن صدوكم أَى لأَجل صدهم إِياكم عام الحديبية، وهذا مما يقوى أَن المعنى شنئانكم قوماً لأَنه يصح أَنكم أَبغضتم القوم لأَن القوم صدوكم، لا أَبغضكم القوم لأَنهم صدوكم، إِلا تكلف أَن المعنى أَنه ظهر إِبغاضهم إِياكم بصدهم، والمنهى لفظاً الشنئان وفى الحقيقة المخاطبون، ووجهه أَنه نهى عن أَن يؤثر فيهم الشنئان الموصل إِلى الاعتداءِ وهو أَبلغ من النهى عن الاعتداء. { عَنِ الْمَسجِدِ الحَرامِ } عن أن تدخلوا الحرم فتطوفوا بالكعبة وتسعوا بين الصفا والمروة للعمرة. { أَن تَعْتَدوا } عليهم بالقتل وغيره انتقاماً، وهذا غير منسوخ ولو كان فى قوم مشركين حربيين لأَن المعنى لا تقتلوهم وتضروهم لحظوظ أَنفسكم، فافعلوا ذلك لله عز وجل، أَو نهوا عن التعرض لهم من حيث عقد الصلح الذى وقع فى الحديبية، والآية نزلت قبل الفتح لأَن مكة بعد الفتح فى أَيدى المسلمين لا يصدهم المشركون عنها. وإِن نزلت بعد الفتح فالمعنى لصدهم إِياكم إِن صدوكم.{ وَتَعَاوَنُوا } فعل أَمر وفاعل.{ عَلَى الْبِرِّ }فعل ما أَمرتم به والعفو والإغضاء. { وَالتَّقْوَى } ترك ما نهيتم عنه ومجانبة الهوى. ودخل فيها مناسك الحج كما قال الله عز وجل: " { فَإِنَّهَا من تَقْوَى القُلُوب } " [الحج: 32]. { وَلاَ تَعَاوَنُوا } لا تتعاونوا. { عَلَى الإِثْمِ } المعاصى بينكم وبين الله. { وَالْعُدْوَانِ } المعاصى بينكم وبين الخلق ابتداء أًو انتقاماً حيث لا يجوز. ودخل فى ذلك النهى عن التعاون على الاعتداءِ والانتقام. وعن ابن عباس وأَبى العالية، الإِثم ترك ما أَمرهم به وارتكاب ما نهاهم عنه، والعدوان مجاوزة ما حده الله تعالى لعباده فى دينهم وفرضه عليهم فى أَنفسهم، قدم التحلية وهى المعاونة على البر والتقوى على التخلية وهى الإِثم والعدوان مسارعة إِلى ذكر ما هو المقصود بالذات. { وَاتَّقُوا اللهَ } خافوه إِجلالاً وللعقاب على المعاصى. { إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقابِ } على العصاة.