التفاسير

< >
عرض

وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ
١٠٩
-الأنعام

تيسير التفسير

{ وَأَقْسَمُوا } أَى كفار مكة { بِالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } مفعول مطلق، أَى غاية إِقساماتهم، أَو حال أَى جاهدى أَيمانهم، أَى بالغين الغاية فيها، أَو ذوى جهد فى أَيمانهم، أَو بجهد أَيمانهم، وذلك إِقسام بآبائهم أَو التوكيد بالنون، وقال الكليبى ومقاتل: إِذا حلف الرجل بالله فهو جهد يمينه، وسمى الحلف قسماً لأَنه يكون عند انقسام الناس إِلى مصدق ومكذب، { لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ } جملة آيات طلبوها كلها ثم اكتفوا ببعضها، أَو عدت كلها آية إِذا كانت دليلا، ولفظ آية تلويح بأَن ما عدا ما طلبوه غير آية احتقاراً وليس الإِيمان مرادهم، ولو حلفوه جهد أَيمانهم فقالوا: أَخبرتنا بأَن لموسى عصا يضرب بها الحجر فينفجر ماء، وأَن عيسى يحيى الموتى فابعث لنا قصياً نسأَله عنك، واستشهد الملائكة واجعل الصفا ذهباً، فقال: أَتؤمنون إِن جئت بها فقالوا: نعم، كما قال { لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا } فقال المسلمون: يا رسول الله ايتهم بها فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو أَن يجعل الصفا ذهباً وهذا يدل أَنهم اكتفوا بواحدة بعد طلب متعددات، ويحتمل أَنه يدعو بعد بأخر، فقال جبريل عن الله: إِن شئت أَصبح ذهباً، ولكن إِن لم يصدقوا لى عذبناهم، وإِن شئت تركناهم فيتوب تائبهم، فقال: اتركهم ليتوب تائبهم، واختار بعض أَن مرادهم بالآية آية من جنس الآيات، وذلك لأَنهم معاندون مضطربون فى الفساد والعناد ولا يعدون ما نزل آية { قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللهِ } لا عندى، أَراد بالعندية أَنه المالك لها القادر عليها، وأَنه المختص بها، ومن شرط المعجزة أَن لا يقدر عليها غير الله فلا أَتعرض لها من قبل نفسى { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا } أَى الآيات الشاملة للمقترحة أَو الآية المقترحة { إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } ماذا يصيركم عارفين بأنهم لا يؤمنون بها إِذا جاءَت، والاستفهام نفى، أَى أَنتم لا تدرون أَنهم لا يؤمنون إِذا جاءَت فرغبتم فى مجيئها أَيها المؤمنون، وأَنا عالم بأَنهم لا يؤمنون فلم أَنزلها، أَو ضمن أَشعر معنى أَعلم فتعدى لاثنين، وحاصله أَنهم لا يؤمنون إِذا جاءَت ولا تعلمون أَنهم لا يؤمنون، ويجوز أَن تكون لا صلة، أَى وما يشعركم أَنهم يؤمنون إِذا جاءَت حتى رغبتم فى مجيئها على أَن لا زائد بها وهو ظاهر، وكقوله تعالى " { ما منعك أَلا تسجد } " [الأَعراف: 12] " { وحرام على قرية أَهلكناها أَنهم لا يرجعون } "[الأنبياء: 95] فى أَحد أَوجه، ويجوز أَن لا يقدر لفظ بها، وأَن يقدر لفظ برسالتك لجواز قولك: زيد لا يقوم عمرو وقت قيامه، فرابط خبر إِن ضمير جاءَت، ويجوز أَن تكون أَن بمعنى لعل، قال الخليلرحمه الله حاكياً عن العرب: ايت السوق أَنك تشترى لنا شيئاً، بالفتح، أَى لعلك، ويقويه كثرة مجئ لعل بعد يدرى " { وما يدريك لعل الساعة قريب } " [الشورى: 17]،" { وما يدريك لعله يزكى } " [عبس: 3] وأَنها فى مصحف أَبى وقراءَته "وما يدريكم لعلها إِذا جاءَت لا يؤمنون" وعلى هذا تم الكلام عند قوله سبحانه وتعالى وعز وجل: وما يشعركم.. فيقدر ليشعر مفعول، أَى ما يشعركم أَنهم يؤمنون إِذا جاءَت، ويجوز أَن تكون ما بمعنى لا حرفاً أَو اسماً أَى لا يشعركم أَنهم لا يؤمنون فكنتم ترجون إِيمانهم، فالجملة مفعول به ليشعر، ولا يجوز جعل ما نافية حتى لا يبقى يشعركم بلا فاعل، ويضعف أَنه ضمير الله جل وعلا، لأَن المقام إِخبار بنفى إِيمانهم ولو جعلنا ما صلة لسهل ذلك، والخطاب للمؤمنين، أَو لهم وللنبى صلى الله عليه وسلم، لأَنه صلى الله عليه وسلم اهتم بالدعاء بمجئ الآية.