التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ
١١١
-الأنعام

تيسير التفسير

{ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الملاَئِكَةَ } كما اقترحوا يشهدون أَنك رسول الله كما قالوا{ لولا أَنزل علينا الملائكة } وكما قالوا { أَو تأْتى بالله والملائكة } { وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى } حقيقتهم الصادقة بمن اقترحوه كقصى وجدعان وآبائهم كما قالوا "فأتوا بآبائنا" أَو كلمهم الموتى زيادة على من اقترحوه، سأَلوا إِحياءَ قصى وجدعان بن عمرو، وكانا كبيرين صدوقين، وفيشهدان بنبوءَتك { وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَئٍ } من الأَحياء والأَموات، من البعوضة وما دونها والفيل وما فوقه زيادة على ما اقترحوه مما ذكر ومن جعل الصفا ذهبا وإِفساح الجبال { قُبُلاً } معاينة، وهو مصدر، أى ذوى معاينة أو مقابلين أو نفس المقابلة مبالغة، أَو ظرفاً أَى جهة، وأَفصحوا كلهم بنبوءَتك وبرسالتك { مَا كَانُوا لِيُؤمِنُوا } لقضاء الله بكفرهم، فالآيات ولو عظمت لا تردهم عن الكفر، وقضاء الله لا يرده شئ، ولا آية أَعظم من قيام الساعة ودخول النار، وقد قال الله عز وجل { ولو ردوا لعادوا } فإِنزال الآيات بوفق ما طلبوه تحكم محض وموجب للتسلسل، ولأَنه لا تنتهى الحجة إِلى مفصل، وذلك سد لباب النبوءَة، ولا منافاة بين كون الأَفعال مخلوقة لله عز وجل وكونها مكسوبة للخلق بقدرتهم واختيارهم. وقدرتهم مؤثرة بإِذن الله تعالى لا استقلالا كما تقول المعتزلة، ولا غير مؤثرة كما قال الأَشعرى أَبو الحسن القائل أَنها مقارنة للفعل الذى هو يمحض قدرة الله عز وجل ولا هى منفية كما قالت المجبرة، وذلك مذهبنا ومذهب الأَشاعرة، ولم يتبعوا إِمامهم فى قوله المذكور عنه، ولعله لا يصح عنه لظهور بطلانه جداً { إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ } إِيمانهم فى تأْويل مصدر على تقدير اللام أَى ما كانوا ليؤمنوا لشئ من الأَشياء إِلا لمشيئة الله أَى يقدر فى حال من الأَحوال، إِلا حال مشيئة الله، والاستثناء متصل مفرغ، والمراد فى الآية مجازات الظاهر بقطع النظر عن حقيقة الأَمر الذى هو القضاء، فإِن ما قضاه الله لا يجوز أَن يقع خلافه، ولا يوصف بجواز أَن يشاء وقوعه ويكون إِلا جوازاً يقطع به النظر عما قضى، فبهذا الجواز صح الاستثناء، ويجوز أَن يكون منقطعاً، أَى لكن مشيئة الله هى القاضية، أَو إِلا مشيئة إِيمان من يؤمن غير هؤلاء الأَشقياء، والآية دليل على أَن الله أَراد كفر الكافر وشاءَه، ولا يقع فى ملكه ما لم يشأ، ولم يخرج عن ملكه شئ، ودعوى المعتزلة أَن المعنى إِلا أَن يشاءَ الله إِيمانهم مشيئة قهر لا دليل لها، وزعم الجبائى منهم أَن مشيئة الله حادثة، ولزمه نسبة الجهل إِلى الله تعالى، واحتج بأَنه لو كانت قديمة لزم قدم ما دل الحس على حدوثه. الجواب أن مشيئة قديمة أَزلية وتنجيزها لا، وأَن متعلقها مشيئة حادثة فعل له لا وصف { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } أَنهم لا يؤمنون ولو جاءَت، وأَما أَقلهم فقد يعتقد لكنه لا يؤمن ولو جاءَت لاستحكام العناد فيه والإِصرار، والضمير للكفرة، ويجوز أَن يكون للمؤمنين، بمعنى أَكثر المؤمنين يجهلون أَن هؤلاء الكفار لا يؤمنون ولو جاءَتهم فرغبوا فى مجيئها، وقليلهم يعلم أَنهم يؤمنون ولو جاءَت فلم يرغبوا فى مجيئها.