التفاسير

< >
عرض

أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ
١١٤
-الأنعام

تيسير التفسير

{ أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِى حَكَماً } على تقدير القول أَى قل لهم: أَفغير الله إِلخ، والهمزة مما بعد الفاء قدمت على العاطف لكمال صدريتها، أَو داخلة على محذوف عطف عليه أَبتغى أَى أَأَصغى إِلى زخرف القول ومطلق الباطل، أَو أَأَعدل عن الصراط المستقيم فأَبتغى غير الله حكما، أَى أَطلب، وغير مفعول به فحكما حال أَو تمييز لغير، أَو غير حال من حكما، وحكما مفعول به، والحكم من لا يخطئ فى حكمه، وهو أَخص من الحاكم، وقيل: الحكم من تكرر منه الفعل والحاكم يصدق ولو بمرة، وأَصحابنا رحمهم الله لا يجيزون اسم الفاعل بمرة، ووافقهم الفخر فى سورة لقمان عند الكلام على قوله تعالى { { هو جاز عن والده شيئاً } [لقمان: 33]، وقال أَبتغى ولم يقل تبتغون كما قال: أَفغير دين الله تبغون، مع أَنهم المبتغون إِظهارا للإِنصاف، أَى لا يليق بى كما لا يليق بكم، بدأَ بنفسه فى الحكم عليها، أَو لمراعاة قولهم اجعل لما طلبوا منه الجعل بدأَ بنفسه فى الكلام على الجعل { وَهُوَ الَّذِى أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ } الخطاب للمشركين المبتغين للحكم، ونسب الكتاب إِليهم بالإِنزال للجلب إِلى قبوله، ولأَنه أَوفق بصدر الآية المسوقة للإِنكار عليهم، ولو عبر بأبتغى لا يبتغون إِظهارا للنصفة كقوله تعالى " { وما لى لا أَعبد الذى فطرنى } "[يس: 22] إِلخ، ولم يقل ما لكم لا تعبدون الذى فطرنى إِلخ { الْكِتَابَ } القرآن { مُفَصَّلاً } مبينا فيه الحق من الباطل، وأَنتم أُمة أُمية لا تدرون ما تأْتون وما تذرون، والجملة حال من ضمير أَبتغى والرابط واو الحال، أَو من لفظ الجلالة المضاف إِليه لجواز الحال عند الفارسى من المضاف إِليه مطلقا أَو لتأويل المضاف بمغاير الصالح للعمل، وكيف إِنكار للياقة ابتغاء غير الله حكما مع أَن الله هو الذى أَنزل الكتاب إِليكم، ولم يقل إِلينا تعظيماً لشأنهم من حيث أَن لهم من الله كتاباً عظيماً وجلباً لهم بذلك وزاد لهذا التعظيم والجلب وأَن القرآن من الله تقريرا بقوله { وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ } التوراة، أَو الجنس الشامل لها وللإِنجيل وغيرهما، والمراد أَهل الكتاب مطلقا، لأَن أَكثرهم يعلمون، أَو لأَن من لم يعلم متمكن من العلم، فكأَنهم كلهم عالمون، أَو المراد علماؤهم كعبد الله بن سلام وغيره من أَهل الكتاب الذين يريدون جعل الحكم منهم، وتفسير بعضهم الموصول بكبراءِ الصحابة وأَهل بدر والكتاب لا يتبادر، بل ليس من التفسير فى العير ولا فى النفير { يَعْلَمُونَ أَنَّهُ } أَى الكتاب المنزل إِليك وإِلى قريش وغيرهم وهو القرآن { مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ } لا باطل ولا من غير ربك { بِالْحَقِّ } مقترنا بالحق { فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ } الشاكين فى الكتاب أَى القرآن أَنه من الله، أَو الشاكين فى أَن أَهل الكتاب يعلمون أَنه من الله جل وعلا، فاجزم بأَنهم عالمون بأَنه من الله، ولا شك أَنه صلى الله عليه وسلم لا يشك فى أَن القرآن من الله ولا فى أَن أَهل الكتاب يعلمون أَنه من الله لأَنه صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأَنهم عالمون به فلا يرتاب فيهم من حيث علمهم ولا يتهمهم بمداراة أَو مداهنة أَو غرض فى ذلك إِذا أَخبروه به، وقد يمكن أَن يخبره بعض لذلك، وإِنما ذلك شدة التأكيد والتحريض كقوله تعالى " { ولا تكونن من المشركين } "[يونس: 105]، أَو المراد الدوام على انتفاءِ الامتراءِ، أَو زيادة اليقين، أَو الخطاب لمن يصلح إِن شك، لا له صلى الله عليه وسلم، أَو الخطاب له صلى الله عليه وسلم والمراد التعريض لأُمته.