التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ
١٢١
-الأنعام

تيسير التفسير

{ وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ } وحده حين ذبحه أَو نحره أَو رميه أَو طعنه، أَو إِرسال الجارحة إِليه بأَن لم يذكر عليه اسم الله أَو ذكر اسم غيره، أَو ذكر اسمه واسم غيره، وذلك عناد ومناقضة للحق، أَو كسلا ولو من موحد، أَما موحد ذكَّى بلا ذكر لاسم الله ساهيا أَو عامدا فلا بأس بذكاته. سئل صلى الله عليه وسلم عن متروك التسمية فقال: "كلوا فإن تسمية الله فى قلب كل مؤمن" ، وقال صلى الله عليه وسلم: "ذبيحة المسلم حلال وإِن لم يذكر اسم الله عليها" ، رواه أَبو داود. وذلك محمول عندنا على من لم يذكر اسم الله نسيانا، وأَما العامد فكالنافى لما فى قلبه، ولفظ الحديث يشمل العامد فقد يقال ليس تركه كنفى ما فى قلبه فإِنه قد يكون تركه لوثوق قلبه به، وذلك الوثوق حاضر. ونعم، قد لا يحضر، وقد يقال إِذا لم يحضر دخل فى نحو الناسى، قيل: وقد يقال أَيضا تركه عمدا استحضار له عمدا، فذلك كذكر، وخبر الآحاد يخصصه القرآن عند الشافعى، وذلك رواية عن ابن عباس ويدل له قوله تعالى { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } لأَنه فسق لكونه أَهل به لغير الله كما يجئ فى السورة، والموحد لا يهل به لغير الله، ولإِجماع الأُمة على أَنه لا يفسق آكل ذبيحة الموحد التارك للتسمية لوجود الخلاف فى ذلك، ولأَن ذلك جملة اسمية مؤكدة بأَن واللام مع تأكيد النهى بهن الدال على عدم حل شئ ولا يليق مثله بأَكل ذبيحة الموحد، ولأَنه يشرك الإِنسان لو أَطاع المشركين فى استحلال الميتة والمذبوح على أَصنامهم لا فى متروك التسمية، ولأَن قوله وإِنه لفسق حال مقيدة للنهى، والفسق الإِهلال لغير الله، ولأَن الشياطين يوحون فى ذلك إِلى أَوليائهم المشركين ليجادلوكم أَيها الموحدون لأَن مجادلتهم فى أَنه كيف حل ماقتلتم ولم يحل ما قتل الله؟ وكيف يحل قتيل الصقر ولا يحل قتيل الله؟ وفى أَنا نأكل ما تذبحون باسم إِلهكم الواحد وأَنتم لا لا تأْكلون ما ذبح باسم آلهتنا المتعددة؟ ولما كان الجدال فى ذلك خص النهى به، وقيل: إِن ترك الموحد التسمية عمدا فسدت الذبيحة، وهو قول أَبى حنيفة، وحجته ذكر الفسوق وهو لا يحصل بالنسيان، والهاء لترك التسمية لأَنه أَقرب مذكور، وأَنه سئل صلى الله عليه وسلم عن ترك التسمية ناسياً فقال: "كلوه فإِن تسمية الله فى قلب كل مسلم" . وقال ابن سيرين: تحرم ولو نسيانا أَخذا بعموم الآية. وأَعاد الهاءَ للآكل. وبه قال داود وأَحمد. وفى فقه الحنفية أَنه قول أَبى حنيفة. ونسب لمالك، ونسب إِليه قول أَنه لا تحرم ولو عمداً. ونسب إِليه الفخر أَنها تحرم ولو نسياناً. ونقل ابن الجوزى عن أَحمد أَنها لا تحرم ولو عمدا، وأَعادوا الهاءَ إِلى ما والفسق على ظاهره فى الكل، ولو عاد الهاء إِلى ما على تقدير مضاف، أَى أَن أَكله فسق وإِن يقدر فمعناه مفسوق به. ونسب للشافعى أَنه لا يحرم متروك التسمية عمداً. وشنع عليه قوم حتى قيل خرق للإِجماع قبله، وحرمه ابن عمر ولو ناسياً، وقال أَبو يوسف: إِن قضى قاض بحل المتروك التسمية عمداً لم ينفذ قضاؤه ولا إِفتاؤه إِن أَفتى لخرق الإِجماع، والاية فى تحريم ما ذبح على الأَصنام والسياق يدل له، وعن ابن عباس فى تحريم الميتات والمنخنقة وما معها، وما لم تفسر به الآية ففى آية أُخرى، والواو حالية فى وإِنه، أَو عطف إِخبار اسمى على طلب فعلى، والقسم محذوف، أَى والله إِن أَطعتموهم فى استحلال أَكل الميتة واستحلال ترك التسمية، وإِنكم لمشركون جواب القسم، ولو كان جواب إِن لقرن بالفاء، وقيل هو جوابها لم يقرن لأَن الشرط ماض، وليس بشئ، ونسب للمبرد ولو بلا كون شرط ماضيا، وتمسكت الصفرية بالآية على أَن فاعل الكبيرة مشرك، يقولون: وإِن أَطعتموهم فى أَكلها، وليس كذلك فإِن المعنى إِن أَطعتموهم فى استحلالها، وله فى هذا رسالة ظاهرت بها أَهل عمان على الصفرية، وقيل: المراد بالشياطين مردة المجوس وبأوليائهم مشركو قريش، سمعوا نزول تحريم الميتة فكاتبوا قريشاَ بأَن ما قتله الله أَحق بالحل فجادل قريش الصحابة فكان فى أَنفسهم شئ فنزلت الآية{ وإِن الشياطين ليوحون إِلى أَوليائهم }.