التفاسير

< >
عرض

قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوۤاْ أَوْلَٰدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفْتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ
١٤٠
وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍ وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ
١٤١
وَمِنَ ٱلأَنْعَٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
١٤٢
ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ
١٤٣
-الأنعام

تيسير التفسير

{ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا } بالدفن { أَوْلاَدَهُمْ } من ربيعة ومضر وبعض العرب وبعض النصارى تفعله قديما، والمراد بالأَولاد الإِناث، وتقدم كلام فى ذلك يقتلونهن خوف السبى والفاقة وغير ذلك، والمذكور فى القرآن أَنه خشية الإِملاق، وخسرانهم فى الدنيا بنقص الذرية وعددهم فإِن فى البنات الذرية بالتناسل وهن نفسهن ذرية نافعة وفيهن رقة على الأَبوين لا توجد فى الذكور، وخسرانهم فى الآخرة تعوض النار عن الجنة { سَفَهاً } لأَجل السفه منهم وهو خفة العقل، أَو سافهين أَو ذوى سفه، أَو ضمن قتلوا معنى سفهوا أَو سفهوا سفها، وذلك أَنهم لم يتيقنوا أَن الله هو الرزاق لهم ولأَولادهم، وعن ابن عباس: إِذا سرك أَن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من الأَنعام { قد خسر الذين } إِلى قوله { وما كانوا مهتدين } { بِغَيْرِ عِلْمٍ } نعت سفها أَو حال أَو متعلق بقتلوا، كان رجل لا يزال مُغتمّاً فى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "مالك" فقال: أَذنبت يا رسول الله ذنباً أَخاف أَلا يغفر لى، وأَنا أَسلمت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هو" ، قال: ولدت لى بنت فشفعت لى امرأَتى أَن أَتركها فتركتها حتى أَدركت فصارت من أَجمل النساء فخطبوها فدخلتنى الحمية أَن أَزوجها أَو اتركها بلا تزويج، فقلت لأمها: أريد أَن أَذهب إِلى قبيلة كذا لأقربائى فابعثيها معى فسرت بذلك وزينتها بالثياب والحلى وأَخذت على المواثيق أَلا أَخونها فذهبت بها إِلى رأس بير ففطنت فالتزمتنى وجعلت تقول: يا أَبى لا تضيع أُمى، فجعلت أَنظر تارة إِلى البير ومرة أَنظر إِليها فأَرحمها فغلبنى الشيطان فأَخذتها فأَلقيتها فى البير منكوسة وهى تنادى فى البير يا أَبى قتلتنى. فمكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لو أمرت أَن أعاقب أَحداً بما فعل فى الجاهلية لعاقبتك" { وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللهُ } من البحائر والسوائب والوصائل والحوامى والحرث { افْتِرَاءً عَلَى اللهِ } مثل سفها فى إِعرابه { قَد ضَلُّوا } عن الحق { وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } إِليه، وصفهم الله عز وجل بسبع: الخسران والسفه وعدم العلم وتحريم ما رزقهم الله والافتراء على الله سبحانه والضلال وعدم الاهتداء، ولما ذم أَحوال الأَشقياء بالاشراك رجع إِلى تقرير التوحيد بقوله:
{ وَهُوَ الَّذِى أَنْشَأَ } أَنبت { جَنَّاتٍ } بساتين من شجر العنب { مَعْرُوشَاتٍ } أَى ملقاة الأَشجار على العرائش أَى الأَشياء المرتفعة كالسقف فإِنهم يسقفون لها فتلقى على السقف، سقف عيدان أَو خشب أَو غير ذلك { وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ } بل ملقاة على الأَرْض أو ما خرج منها على الجبال وفى الأَودية بلا غارس فلا يكون له عريش لأَنه لا يعتنى به كما يعتنى بما غرس، أَو المراد بساتين من شجر العنب المبسوط بل علق إِلى شئ كنخل وجدار وركيزة، أَو المراد بساتين مما يسقف له ويفرش على السقف ومما لا يسقف له مما يقوم على ساق كشجر التين وشجر العنب الذى لا يترك يميل بأَن يقطع ما يميل منه أَو بغير القطع. وعن ابن عباس إِدخال القرع والبطيخ ونحوه مما يبسط على الأَرض فى المعروش، وذلك بالتبع، وأَنا حائط نحو بطيخ وقرع لا نخل ولا شجر فيه فلا يسمى بستاناً { وَالنَّخْلَ } أَى وأَنشأَ النخل أَى أَظهره ورفعه بالخلق { وَالزَّرْعَ } ما يحرث كالحبوب الست والفول والعدس { مُخْتَلِفاُ أُكُلُهُ } بضم الهمزة فما منقولا إِلى التنوين أَى ثمرة المأكول واختلافه بالهيئة وبالطعم والهضم والحرارة والبرودة واليبوسة ونحو ذلك، وعلى دخول النخل والزرع فى الجنات فذكرهما على حدة تنبيه على مزية، ولكل شئ مزية إِذا أَراد الله ذكرها ذَكَرهَا ولا تنافى ما لم يذكرها فيه، ولهم أَيضاً مزية على ما ينبت فى الجنات وعلى عدم الدخول فكذلك، إِذا لولا المزية لقيل جنات من معروشات وغير معروشات، ونخل وزرع بالجر، ومختلفاً حال مقدرة وصاحبها الزرع يقدر مثله لما قبله هكذا مختلفاً أكلها أَى أكل الجنات والنخل، أَو يرد ضمير أكله إِلى ذلك كله أَى أَكل ما ذكر، وإِنما قلت مقدرة لأَن النخل والزرع والشجر ليس لها ثمار من حين الإِنبات بل بعد { والزَّيْتُون والرُّمَّانَ مُتَشَابِها وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ } حال من الرمان، ويقدر مثله للزيتون أَو يعكس، أَو حال منهما بتأويل ما ذكر زيتون يشبه زيتوناً أَو يخالفه رقة وغلظاً وطعماً وطبعاً، وكذا الرمان وبحلاوة وحموضة، أَو المراد متشابه الورق وغير متشابه الطعم فى كل نوع منهما على حدة وفيما بينهما، فإِن ورق الزيتون كورق الرمان، وعلى هذا يكون المراد شجر الزيتون والرمان، ومن ذكر الخمسة على غير هذا الترتيب بطريق الاستدلال على الله جل وعلا بالنظر فيها وفى أَحوالها إِذ قال:
{ { انظروا إِلى ثمره إِذا أَثمر وينعه } [الأنعام: 99]، وخالف المادة فى لفظ الشبه تفننا، وذكرهن هنا للاستدلال على أَن الله هو المستحق للعبادة والوحدانية، وزاد الإِذن فى أَكلها وإِخراج الحق منها، وقدم ما فى الاستدلال وحده لعظمة الله جل وعلا، وقدم الإِذن فى الأَكل إِيناساً وتوسعة على إِخراج الحق إِذ قال { كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } ومحل كل منهما بعد التوحيد والاستدلال عليه، والآية أباحت الأَكل من الثمار قبل الإِدراك وبعده، ونهت عن تحريم الأَكل إِلى الحصاد كقولهم هذه أَنعام وحرث حجر، وإِذا قطعت تلك الثمار أَعطى منها الفقراء الذين حضروا ما تيسر وما أَخطأَه المنجل وما وقع فى النبات أَو فى الجذوع والأَوراق حين القطع وحين الدرس، ولا يختص ذلك بحبوب الزكاة ولا نصاب مخصوص، وذلك قبل فرض الزكاة إِذ فرضت فى المدينة والسورة مكية. ولما فرضت كانت ناسخة، وقيل ذلك على الندب فهو باق مع فرض الزكاة، وحديث الأَعرابى هل علىّ غير ذلك قال لا إِلا أَن تطوع يحتمل أَنه بعد النسخ، وكانوا قبل يلقون العذق فيأكل منه من مر ويعلقون العذق فى جانب المسجد فيضربه المسكين بعصاه فيأكل ما سقط. وعن ابن عباس: كان يتصدق يوم الحصاد به بطريق الوجوب من غير تعيين مقدار ثم نسخ بالزكاة... وعن الشعبى أَن هذا حق فى المال غير الزكاة، ويزكى أَيضاً بعد، ولا نسخ قال مجاهد: اطرح لمن حضر من المساكين إِذا حصدت واطرح لهم إِذا درست وإِذا صفيته فاعزل زكاته، وقيل: المراد الزكاة والسورة مكية أَيضاً إِلا أن تفصيل الزكاة فى المدينة ولا يؤاخذون عليها ما لم تفصل، وقيل نزلت الآية فى المدينة، وقيل نزلت السورة مرتين، وعلى كل حال فصلت الزكاة فى المدينة، وعلى أَن المراد بالآية الزكاة قبل المراد الثمار كلها، وقال أَصحابنا الحبوب الستة، ويوم الحصاد يوم حصدت تجب زكاتها إِن تم النصاب فى الحصد، وقيل: يحسب فيه ما أكل وأَتلف قبله وبعد الإِدراك، وقيل يحسب ويتم العد به ولا يعطى عنه، وقيل يوم حصاده يوم إِدراكه لأَنه كل ما أَدرك أَمكن قطعه، والحصاد بمعنى القطع فشمل الثمار كلها أَو الحبوب الستة وخمسة أَوسق شرط فى الحديث، وزعم أَو حنيفة أَن الزكاة فى القليل والكثير لإِطلاق الآية وفى كل ثمرة قلت أَو كثرت، وإِذا لم يضيع القطع عن وقته أَو الدرس عن وقته وتلفت لم تجب الزكاة كما قال بعض قومنا بعد حصاده وبعد التصفية لأَنه إِنما يتوصل إِلى إِخراج مقدار الزكاة بعدها { وَلاَ تُسْرِفُوا } بإِعطائه كله أَو جله، ويبقى عيالكم أَو تبقون محتاجين، أَو باعطائه أَو قليل منه فى المعصية أَو فى غير نفع، ولا تكثروا الأَكل منه وقضاء المصالح به قصداً لتقليل ما للفقراء منه. عن ابن المسيب: لا تمنعوا الصدقة ومنعها إِسراف، وفى الحديث: "ابدأ بمن تعول" ، ولا يقبل الله صدقة على الأَجانب مع ترك الأَقارب، ودخل فى الإِسراف إِشراك الأَصنام فى الحرث أَو الأَنعام أَو مالها ودخل في الإِسراف أَخذ الولاة أَكثر من الواجب والتصرف فيه بما لا يجوز، وقد قيل: الخطاب لهم ولأَصحاب الأَموال، ودخل في الإِسراف منه الزكاة أَو بعضها وإِعطاؤها غير أَهلها لأَن الإِسراف مجاوزة الحد، وعن مجاهد لو أَنفق رجل أَبا قبيس ذهبا لم يكن مسرفاً وإِن أَنفق درهما أَو أَقل فى معصية كان مسرفاً { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ } لا يرضى إِسرافهم أَو يبغضهم، وذلك كناية عن عقابهم، والآية ناسبت أن ثابت بن قيس حرم خمسمائة نخلة فقسمها فى يوم واحد ولم يعط أَهله منها حتى قيل نزلت الآية فيه، والمعنى أَنها طابقته، أَو عنى بها قيل النزول وإِلا فالسورة نزلت مرة لا شيئاً فشيئاً، روى أَنه قال: لا يأْتينى اليوم أَحد إِلا أَطعمته فأَطعم حتى أَمسى وليس له ثمرة فنزلت الآية، ولا مانع من نزول آية بعد نزول السورة كلها فتجعل الآية فيها وما تقدم إِبطال لما يجعلونه لأَصنامهم من الحرث، وذكر إِبطال بدعتهم فى البحيرة ونحوها من الأَنعام والثمار بقوله عز وجل:
{ وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشَا } عطف على جنات كأَنه قيل وأَنشأَ من الأَنعام حمولة وفرشا، الحمولة ما يحمل عليه فى الحال أَو فى المآل ككبار الإِبل والبقر وصغارها، والفرش الغنم لصغرها وكأَنها فرشت على الأَرض ولأَنه يفرش ما ينسج من صوفها ووبرها، أَو الفرش الغنم وصغار الإِبل والبقر، أَو الفرش ما يفرش للذبح، والفرش ما نسج من الصوف أَو الوبر أَو الشعر فيكون فراشاً، والفرش فى ذلك كله تسمية بالمصدر، وقيل بدخول البغال والحمير فى الأَنعام فالحمولة الإِبل والبقر والبغال والحمير، والفرش ما صغر منهن أَو ما ينسج من وبرهن وشعرهن. أَو الغنم، ويعارض تفسير الأَنعام بما يشمل البغال والحمير أَو إِياهما والبقر أن المذكور فى القرآن للحمل الإِبل ويعارضه أَيضاً فى جانب البغال والحمير قوله تعالى { كُلُوا مِمَّا رَزَقْكُمُ اللهُ } من الأَنعام والثمار حلالا طيباً، وما عند الإِنسان من حرام وعلم بأنه حرام فليس رزقا له إِلا إِن انتفع به فهو رزقه، ولو كان حراماً إِلا أَنه يعاقب عليه { وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } فإِنه متبادر فى الأَزواج الثمانية من أَمر الله بالأَكل. وذكر الله البغال والحمير للركوب والزينة وحمل العرب إِنما هو على الإِبل وإِن كان على البغال والحمير فقليل، وأَيضاً المشهور بتحريمهم الأَزواج الثمانية من البحيرة ونحوها، وما يجعلون منها للأَصنام فيقول الله جل وعلا لا تحرموها، كلوها حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان فى تحريمها، ويعارضه أَيضاً إِبدال الأَزواج الثمانية من حمولة وفرشا فى قوله تعالى:
{ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } إِلخ، بدلا مطابقاً من حمولة وفرشاً إِذ الإِبدال أَولى من جعل ثمانية مفعولا لكلوا المذكور أَو لكلوا محذوفاً، ولو كان قريبا، وجمل الاعتراض قليل إِذا جعل مفعولا لكلوا المذكور لأَن المعروف الكثير كل من كبش لأَكل كبشاً، ومن هذا كان جعل ثمانية حالا من أَولى من جعله مفعولا لكلوا، وخطوات الشيطان مجازيا لاستعارة عما يأْمر به أَو ينهى عنه، وأَصله الطرق أَو أَثر القدم أَو ما بين القدمين. والزوج ما اقترن به آخر من جنسه كالرجل والمرأَة وشقى الرحا وكل فرد من ذلك زوج كما فى الآية، وهما زوجان، وإِطلاق الزوج على اثنين خطأ، وقيل: لغية، ولو كان كذلك لكان فى الآية ستة عشر، ومعنى مبين ظاهر، والمراد ظاهر العداوة من أَبان اللازم، ويجوز أَن يكون من المتعدى أَى أَظهر لكم عداوته ولو لم تنتبهوا لها، والرزق الحلال والحرام لقوله مما رزقكم حلالاً يقول كلوا من الرزق ما هو حلال لا ما هو حرام منه، والمعتزلة يقولون الرزق لا يطلق إِلا على الحلال فيجعلون من للبيان، زعموا أن الله إِذا رزق الحرام كان إِعانة على المعصية، ويرد عليهم كل ما خلقة الله من الحرام كالخنزير والميتة { مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ المَعْزِ اثْنَيْنِ } اثنين الأَول بدل من ثمانية بدل مطابق باعتبار ما عطف عليه، وهو اثنين فى ثلاثة مواضع بعده، ولو جعلنا ثمانية بدلا على القول بجواز الإِبدال من البدل، والمانع يقول مفعول لأَنشأَ محذوفاً ومن الضأن حال منه لو نكرة لتقدم الحال، ومن المعز حال من اثنين بعده كذلك، واثنين معطوف على اثنين فهو فى حكم الأَول والاثنان ذكر وأُنثى كبش ونعجة من الضأْن وتيس للذكر والعنز للأُنثى من المعز، وهذه أَربعة أَزواج مفسرة للفرش فى أَحد تأويلاته، وقدمهن هنا مع تأخير الفرش هنالك لأَنهن معظم أَكل اللحم، والأَكل معظم ما يتعلق به الحل والحرمة كما هو السر فى التعرض للأكل، إِذ قال كلوا ولم يتعرض للحمل والركوب، وما حرموه فى نحو السائبة والضأن والمعز اسم جمع أَو جنس أَو جمع وهما كراكب وركب وتاجر وتجر وراكبة وتاجرة، والمفرد ضائن وضائنة وماعز وماعزة { قُلْ آلذَّكَرَيْن حَرَّمَ } الله { أَمِ الأُنْثَيَيْن أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْه أَرْحَامُ الأُنْثَيَيْنِ } نقلت فتحة همزة الاستفهام للام قبل وحذفت الهمزة وقلبت همزة أل أَلفاً مدت بها اللام مدّاً موسطاً قدر أَلف ونصف، وقيل مشبعاً قدر أَلفين، وقيل ثلاث أَلفات والاستفهام إِنكار، والمعنى أَحرم الذكرين من الضأْن والمعز لكونهما ذكرين أَو الأُنثيين منهما لكونهما انثيين أَم ما فى الأرحام لاشتمال الأَرحام ذكراً وأُنثى كأَنه قيل أَحرم الذكرين من حيث الذكورة أَم الأُنثيين من حيث الأُنوثة أَم ما فى الأَرحام من حيث الأَرحام، وإِن كان ذلك فلم حللتم بعض الذكور وبعض الإِناث وبعض الأَجنة مع وجود الذكورة والأُنوثة والكون فى الأَرحام، ولهذه الحيثية قدم المفعول، ولكونه هو الذى نفاه الله فتلا الهمزة، وهذا أَولى لدقته من أَن يقال المعنى إِنكار أَن يحرم الله من جنس الغنم وإِظهار كذبهم، ولما كانوا يحرمون الذكور تارة والإِناث أُخرى وما فى الأَرحام فصل ذلك هنا وفيما يأتى، كما ذكروه مبالغة فى الرد عليهم، وبالغ أيضاً بذكر الضأْن والمعز والأَرحام على حدة، وبذكر الإِبل والبقر والأَرحام على حدة، ولولا ذلك لقال على كل الأَزواج الثانية ما نصه، الذكور حرم أَم الإِناث أَم ما اشتملت عليه أَرحام الإِناث، أَو قال من الضان اثنين ومن المعز اثنين ومن الإِبل اثنين ومن البقر اثنين، قل الذكور حرم أَم الإِناث أَم ما اشتملت عليه أَرحام الإِناث { نَبِّئُونِى بِعِلْمٍ } من أَين جاءَ التحريم { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } فى كون ذلك حراماً، وفى أَن الله حرمه.