التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
١٥٣
-الأنعام

تيسير التفسير

{ وَأَنَّ هَذَا صِراطِى مُسْتَقِيماً } أَى ما ذكر من الأَوامر والنواهى من حيث الائتمار والانتهاء فى الآيتين، أَو من الشرع كله كما روى ابن عباس، ويناسبه النهى بعد، أَو ما ذكر فى السورة من التوحيد والنبوءَة وإِثبات الشريعة، فإِن السورة كلها فى ذلك إِما بالذات أَو بالواسطة، ولا يترجح الوجه الأَول بالقرب وهو العود إِلى الأَوامر والنواهى، لأَن ما فى السورة قريب لاتصاله وكأَنه شئ واحد قريب فاستويا فى القرب، وترجح هذا بأَنه زاد فائدة التعميم ولا فائدة فى التخصيص بلا مخصص، وتقدر اللام وتعلق باتبعوه، وإِنما صح الإِخبار بأَن ذلك صراط الله مع أَن فيه محرمات، لأَن المراد ما ذكر من الأَوامر والنواهى من حيث العمل بالأَمر والنهى والعمل بالنهى اجتناب ما نهى وبهذا الاعتبار أَيضا قال { فَاتَّبِعُوهُ } ولا يشكل عليه ما استحب، ولم يجب لجواز حمل الاتباع على المشترك بين الوجوب والندب عملا بعموم المجاز، ودون هذا أَن تحتمل الاتباع على إِيجاب اعتقاده، فيجب على العالم استحباب شئ اعتقاد استحبابه والفاء صلة لا عاطفة لتعلق أَن هذا صراطى بما بعدها أَى اتبعوه، لأَنه صراطى مستقيما، وهو واجب التقديم لعود الهاء إِليه مما بعده، وهى لهذا أَو لصراطى، ولو تأَخر لعاد الضمير إِلى متأَخر لفظا ورتبة فى غير أَبوابه، وإِن عاد الهاء إِلى ذلكم فلا إِشكال، ولفظ هذا من وضع الظاهر موضع المضمر، ويجوز تقدير أَثره فاتبعوه، ويجوز جعل إِن هذا إِلخ مفعولا لمعطوف على تذكرون أَى لعلكم تذكرون وتعلمون أَن هذا صراطى مستقيما فتكون الفاء عاطفة للأَمر على وصاكم به أَو على لعلكم تذكرون، أَو على ما حرم، والياء فى صراطى لله تعالى، وقيل أَنها له صلى الله عليه وسلم وأَنه أضيف الصراط إِليه صلى الله عليه وسلم لأَنه أَدعى للاتباع، والصراط مجاز عما ذكر من دين الله تحريما وتحليلا، ومستقيما حال أَى لا عوج فيه، وما سواه طرق إِبليس تؤدى إِلى النار، على كل طريق منها شيطان يدعو إِليها، روى ذلك ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم، وروى عن جابر بن عبد الله: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فخط خطا وخط خطين عن يمينه، وخط خطين عن شماله ثم وضع يده فى الخط الأَوسط، ثم قال هذا سبيل الله، ثم تلا هذه الآية { وأَن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه } { وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } وهذه السبل سبل أَهل الشرك وسبل أَهل الضلال من أَهل القبلة، وكل ما هو حرام من ترك أَو فعل مما يفعل تشهيا أَو ديانة والبدع والشبهات، فالمراد بالسبل السبل المخالفة لسبيل الله وجمعت لأَنها لا تنضبط لأَنها باعتبار الهوى والعادات والطبائع، ودين الله واحد باعتبار الحجة فأفرد سبيله لذلك، وأَصل تفرق تتفرق حذفت إِحدى التاءَين، ومعناه تميل فتعلق به الباء وهى للتعدية كأَنه قيل تفرقكم عن سبيله وهو دين الإِسلام، أَو هى للمصاحبة فتتعلق بمحذوف حال من ضمير تفرق أَى كائنة معكم، وأَهل الضلال أَكثر من أَهل الصواب كما قال قائل:

أَري أَلف بانٍ لا يقوم بهادمٍ وكيف ببانٍ خلفه أَلف هادمِ

إِلا أَن الله المستعان { ذَلِكُمْ } أَى ما ذكر من اتباع السبيل واجتناب اتباع السبل { وَصَّاكُمْ به } كرر التوصية تأكيداً { لَعَلَّكُمُ تَتَّقُونَ } التفرق عن سبيله أَو تتقون النار، أَتى بذلك بعد ذكر الصراط المستقيم تلويحاً بأَنه طريق لاتقاءِ النار، فلم ينج منها من لم يكن عليه، قال ابن مسعود: من سره أَن ينظر إِلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم بخاتمه فليقرأ هؤلاءِ الآيات: قل تعالوا، إِلى تتقون، وقال عبادة بن الصامت عنه صلى الله عليه وسلم: أَيكم يبايعنى على هؤلاءِ الايات الثلاث، وتلاهن. قال فمن وفى بهن فأَجره على الله ومن انتقص منهن شيئا فأَدركه الله تعالى فى الدنيا كانت عقوبته ومن أَخره إِلى الآخرة كان أَمره إِلى الله تعالى، إِن شاءَ آخذه وإِن شاءَ عفا عنه، ومعنى من أَخره إِلى الآخرة لم يعاقبه فى الدنيا، فإِن شاءَ آخذه بأَن لا يوفقه للتوبة وإِن شاءَ عفا عنه بأَن يوفقه لها، أَو آخذه عاقبه فى القبر والمحشر وقد تاب، والعفو عدم عقابه وقد تاب. قال ابن عباس: من عمل بهن دخل الجنة ومن تركهن دخل النار.