التفاسير

< >
عرض

فَقَدْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ
٥
-الأنعام

تيسير التفسير

{ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالحَقِّ } القرآن أَو التوحيد { لَمَّا جَاءَهُمْ } والباء لكون التكذيب بالقرآن كالدليل على التكذيب بما سواه، ولكونه كاللازم للتكذيب بغيره من المعجزات فهى للسببية أَو للتعليل، أَى كذبوا بالمعجزة أَو الدليل لأَنهم كذبوا بالقرآن أَو التوحيد، أَو سبب تكذيبهم بالدليل أَو المعجزة تكذيبهم بالقرآن، وإِذا فسرنا الحق بالقرآن ترجح أَو تعين أَن يراد بالآية غيره، ويجوز أَن يراد بالحق الآية، فمقتضى الظاهر فقد كذبوا بها لما جاءَتهم، ووضع الظاهر ليصفها بأَنها حق، وصح هذا لأَن الإِعراض ليس نصا فى التكذيب، إِلا أَنه سبب للتكذيب، أَو ملزوم له، ويجوز أَن يكون المراد بالحق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجوز على ضعف أَن تكون الباء تعليلا لجواب شرط قائمة مقام فاء الجواب، أَى إِن كانوا معرضين عن الآية فلا تعجب، لأَنهم قد كذبوا بما هو أَعظم آية وهو الحق، وفيه كثرة الحذف، وفيه النيابة معه، وفيه أَن الحق من الآيات، وصف الله عز وجل كبار مكة أَولا بالإِعراض عن التأَمل فى الدلائل والآيات لأَنه أَدنى قبحهم، فإِن المعرض عن الشئ قد لا يكذبه، ولا يستهزئ به. وثانيا بالتكذيب لأَنه أَقبح من الإِعراض إِلا أنه قد لا يستهزئ، وثالثا بالاستهزاءِ وهو أَشد قبحاً إِذ قارنه التكذيب المقرون بالإِعراض، فهو الغاية في القبح، ولذلك ختم به إِذ قال { فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } وقد يكون الاستهزاء بلا تكذيب، وهو دون التكذيب، والأنباء أَنواع العذاب سماها أَنباء لأَنها ينبأَ أَى يخبر بها، وإِضافتها لما كانوا به يستهزئون، لأَن ما كانوا به يستهزئون هو الآيات المتلوة والمعجزات، وهن سبب لأَنواع العذاب، وملزوم لها بتوسط استهزائهم، أَو أَضافها لما كانوا به يستهزئون لأَنهن الآيات، وهن مخبرات بأَنواع العذاب، والمراد مضمون أَنباء ما كانوا به يستهزئون، فحذف المضاف، والنبأْ ما يعظم وقعه من الأَخبار، وهو أَخص من الخبر، وفى الآية إِيذان بغاية عظم عذابهم، وهو فى الدنيا مستتبعا بعذاب الآخرة، ويضعف أَن يفسر بعذاب الآخرة أَو بهما، أَو بظهور الإِسم وعلوه، لأَنه لا يناسب ذكر الإِهلاك فى قوله عز وجل.