التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٥٤
-الأنعام

تيسير التفسير

{ وَإِذَا جَاءَك } واقفاً أَو ماشياً أَو قاعِداً أَو راكباً أَو مضطجعاً { الَّذِينَ يُؤْمِنونَ بِآيَاتِنَا } نازلة أَو معجزة، هم الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه، الممنون عليهم بالهدى، الشاكرون، ومقتضى الظاهر: وإِذا جاءُوك، لكن وضع الظاهر ليصفهم بالعلم؛ فإِن الإِيمان بالآيات علم، فيكون قد وصفهم بالعمل الصالح بالغداة والعشى، فهم جامعون لفضلى العلم والعمل الموجبين للتقريب والعز وترك الطرد والتبشير بالإِسلام من الله ونبيه صلى الله عليه وسلم به كما قال { فَقُلْ } قبلهم، تطييباً لخاطرهم، وهذا أَمر إِيجاب عليه، وقيل ندب { سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ } من الله على لسانى، ومنى، قال عكرمة: منه صلى الله عليه وسلم، وقيل من الله تعالى، وقيل ليس بتحية بل إِخبار بأَن لهم السلامة. وابن عباس علَى أَنه تحية من الله عز وجل، ولهم التبشير بالرحمة فى الآخرة، كما قال { كَتَبَ رَبُّكُمْ } قضى، أَو كتب فى اللوح المحفوظ، وقيل: هذا من كلامه صلى الله عليه وسلم غير داخل فيما حكى بالقول، وقيل: هذا مستأنف فى قوم قالوا: أَصبنا ذنوبا عظاماً، فنزل فيهم، وقيل: لم تنزل فى قوم مخصوصين بل عامة، وفيه أَن المثبت مقدم على النافى، ومن أَين لقائله الجزم بالنفى مع أَن النزول فى مخصوصين لا ينافى العموم، { عَلَى نَفْسَهِ الرَحْمَةَ أنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمَ } يا أَيها المذكورون بالعبادة والعلم، أَو يا أَيها الناس مطلقاً الداخل فيهم هؤلاء أَو لا وبالذات { سُوءًا } ذنباً { بِجَهَالَةٍ } ثابتاً مع جهالة حال مؤكدة فإِن الذنب أَبداً جهالة، أَى سفه، قال الحسن: كل من عمل معصية من عالم أَو جاهل فهو جاهل، أَى سفيه، أَو المراد عدم العلم بحرمة عمله، إِلا أَن العالم بالحرمة كذلك يغفر له إِذا تاب، ولكن خص الجهالة تلويحاً إِلى أَنه يبعد عن المؤمن أَن يعصى مع علمه بالحرمة، وأَنه لا يعمل ذنباً إِلا وهو غير عالم بأَنه ذنب، كما أَن عمر رضى الله عنه قال: يا رسول الله أَقم هؤلاء المؤمنين الضعفاء عنك إِذا جاءَ هؤلاء المدعون للشرف فتنظر ما يصير إِليه أمرهم، قاله ولم يعلم بأَن ذلك سفه، وبكى واعتذر، وقال: ما أَردت إِلا خيراً، وإِما أَن يقال: الجهالة شامل لفعل السوء مع العلم بأَنه ذنب لشبه العالم حينئذ بالجاهل إِذا فعل ما يهلكه ويفيته الخير الدائم، واختار اللذة العاجلة القليلة المتكدرة على الدائمة الكثيرة التى لا تتكدر، ففيه الجمع بين الحقيقة والمجاز، فإِما أَن يجوز وإِما أَن يحمل على عموم المجاز، وهو أَولى لأَنه أَوسع، وإِما أَن تحمل الجهالة على عدم العلم فقط، أَو على عدم العلم بما يفوته من الثواب وما يستحقه من العقاب، ففيه تقصير عن بعض ما تشمله الآية { ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ } بعد عمل السوء من عمله { فَأَنَّهُ } أَى الله، بفتح الهمزة كما نص عليه أَبو عمرو الدانى، ونصت المشارقة أَن أَبا عمرو الدانى هو أَعلم الناس بقراءَة نافع، وشهر الكسر عن نافع { غَفُورٌ رَحِيمٌ } والمصدر من غفور رحيم بواسطة أَن بدل من الرحمة بدل مطابق، كأَنه قيل: كتب على نفسه الغفران والرحمة لمن عمل سوءا وتاب وأَصلح، وإِن قلت: أَجمع الناس على أَن الأَنعام نزلت دفعة واحدة فكيف يقال سبب نزول كذا وسبب نزول كذا هو كذا من آياتها بل هن على العموم من فعل كذا فله كذا؟ قلت: نزلت على طبق ما سيقع فكانت مصداقاً له.