التفاسير

< >
عرض

قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي ٱلْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
١٢٣
لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ
١٢٤
-الأعراف

تيسير التفسير

{ قَالَ فِرْعَوْنُ } توبيخاً وإِنكاراً { آمَنْتُمْ بِهِ } من ثلاث همزات فى الأَصل، الأُولى للاستفهام التوبيخى مخففة محذوفة فى الإِمام، والثانية همزة أَفعل مسهلة بين همزة مفتوحة وبين همزة ساكنة ثابتة، وهى همزة آمن كأَكرم وأَعلم زائدة، وبعدها أَلف محذوفة فى الإِمام تتولد من حصة الفتح فى الثانية الثابتة، وهذه الأَلف الثالثة المحذوفة فى الإِمام همزة آمن الثلاثى هى فيه فاء الكلمة قلبت أَلفاً لسكونها بعد همزة أَفعل، هذه قراءة نافع، وهى فى خطنا معشر المغاربة والأَصل أَ أَ أَ بهمزة مفتوحة فهمزة مفتوحة أَيضاً ساكنة قلبت أَلفاً وكذا فى غير هذه السورة، والهاء لموسى عليه السلام لقوله { إِنه لكبيركم } [طه: 71] وقوله تعالى فى آية أُخرى " { آمنتم له } " [طه: 71] أَى لموسى وهو الراجح، أَو لرب موسى وهارون قيل: أَو الله لعلمه من المقام وعلى العود لموسى لم يذكر معه هارون لأَن العمدة فى الواقعة موسى، أَى أَآمنتم برسالته { قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ } أَن آمركم بالإِيمان به { إِنَّ هَذَا } أَى هذا الذى صنعتموه من الإِيمان به { لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِى الْمَدِينَةِ } مصر أَو الإِسكندرية، ويطلق مصر على القاهرة وأَعمالها، ويروى أَن موسى عليه السلام التقى مع كبير السحرة، فقال له: أَتؤمن بالله تعالى إِن غلبتك؟ فقال: لآتين غدا بسحر لا يغلبه سحر، فوالله إِن غلبتنى لأُومنن بك وفرعون حاضر، وأنه نشأَ من ذلك قوله{ إِن هذا لمكر } إِلخ.. اتفقتم عليه مع موسى فيما قبل الخروج إِلى السحر، وهاء فى مكرتموه مفعول مطلق كما تقول: هذا قيام قمته، وهذا جلوس جلسته، وإِن ضمن مكر معنى أَثبت كانت الهاء مفعولا به، والمعنى: الخداع والاحتيال { لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا } هم القبط، ولما لم يجد حجة على موسى، ولم يجد دفع حجته وخاف أَن يؤمن غيرهم، ركن إِلى إِغراء القبط عليهم، وتهييج عداوتهم بإِخباره بأَن إِيمان السحرة ليس بحجة لموسى عليهم توجب الإِيمان به، بل لاتفاقهم معه على أَن يخرجوكم من أَرضكم وملككم، وأَكد ذلك بالوعيد كما قال الله تعالى { فَسَوْفَ تعْلَمُونَ } ما يحل بكم، وفسر هذا بقوله:
{ لأُقطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلاَفٍ، ثُمَّ لأَصَلِّبَنَّكُمْ } الصلب هو الشد على خشبة أَو نحوها، وقيل: المراد هنا الشد من تحت الإِبطين مع التعليق { أَجْمَعِينَ } ومعنى من خلاف: اليد اليمنى مع الرجل اليسرى، أَو الرجل اليمنى مع اليد اليسرى، متعلق بمحذوف حال من أَيديكم وأَرجلكم، ويجوز مع بعد أَن يكون المعنى لأَقطعن أَيديكم كلها وأَرجلكم كلها، لأَجل مخالفتكم لى، وهو أَول من سن القطع من خلاف، وجعله الله سنة للقطاع تعظيماً لجرمهم، ولعظمه سماه الله محاربة لله ورسوله، وإِذا ذكر من فضائل العرب كون الدية مائة من الإِبل من قصة عبد المطلب، وأَن الأَميال من هاشم، وأَن ميراث الخنثى من جارية ابن الظرب أَمكن أَن يقال: فهذا القطع تقدم فيه فرعون، الجواب أَنه لعنة الله قطع من خلاف بمرة، والله شرع القطع من خلاف على التعاقب لسعة رحمته، إِذ قال
" { أَن يقتلوا } " [المائدة: 33] إِلى أَن قال " { أَو ينفوا } " [المائدة: 33] وفى السرقة واحدة، لكن هذا على القول بتخيير الإِمام فى القتل وما بعده، وفى سرقة أُخرى يداً أَو رجلاً أُخرى، وفى غير هذا جئَ بالواو لأَنها لمطلق الجمع تصلح لمعنى ثم، والتشديد فى أقطع وأصلب للمبالغة.