التفاسير

< >
عرض

قَالُوۤاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ
١٢٩
وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ
١٣٠
-الأعراف

تيسير التفسير

{ قَالُوا أُوذِينَا } بالاستعمال فى الأَعمال الشاقة { مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِينَا } طفلا أَو من قبل أن تَأْتينا بالرسالة { وَمِنْ بَعْدِمَا جِئتَنَا } طفلا أَو بالرسالة، لما قرب ولادته شرع فى قتل أَبنائهم مع الاستعمال، ولما جاءَ بالرسالة زاد شدة فى استعمالهم، وأَعاد القتل فيهم، واستعملوا النهار كله بعد أَن كان يستعملهم إِلى نصف النهار، وقيل: أَرادوا بالإِيذاء الإيعاد بالشر، ولما كان الامتهان بنحو الاستخدام لأَجل شأن موسى، ناسب ذكرهم ذلك لموسى عليه السلام، والمجئ والإِتيان بمعنى واحد، فذكرهما تفنين وترك للتكرار، كما تفنن بأَن المصدرية أَولا وبما المصدرية ثانياً، ولم يعد لفظ أَن، وكل من المجئ والإِتيان يكون فى سهولة وصعوبة، وفى المعانى والأَزمان والجواهر والأَعيان { قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ } فرعون وقومه { وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى الأَرْضِ } هذا القول من موسى تصريح بما أبهم فى قوله " { استعينوا بالله واصبروا } "[الأَعراف: 128]، وكان بلفظ عسى لأَنه يقول على ما يرجو من الله، والله جل وعلا يقول { عسى } وما أَمره إِلا جزم، أَو لأَنه لا يدرى أَهم المستخلفون أَم ذريتهم أَم غيرهم وغير ذريتهم، ولو جزم بإِهلاك الأَعداء فقيل أَقام بنو إِسرائيل فى أَرض مصر بملكهم، وهو ظاهر الآية، لأَنه قال: يستخلفكم، والأصل والحقيقة استخلافهم بأَنفسهم لا بأَولادهم، وقيل: خرجوا إِلى الشام مع موسى عليه السلام، ونقلوا معهم يوسف ميتا، وهو المشهور، وتركوا مصر لنساء قوم فرعون وضعفائهم وأَطفالهم، وروى أَن مصر فتحت لهم فى زمان داود عليه السلام، وهذا ضعيف ورجحه بعض، وقال إِنهم لم يرجعوا إِليها فى حياة موسى { فَيَنْظُرَ كيْفَ تَعْمَلُونَ } فيها أَتشكرون أَم تكفرون؟ فتجازون على ذلك. ومعنى ينظر يعلم، والمراد بالعلم الجزاء، والجزاء مترتب ولذلك كانت الفاء، وإِلا فعلم الله قديم، نعم هو عالم بعملهم إِذ عملوه كما علمه قبل وقوعه، ولا حدوث علم فى ذلك، وشرع فى تفصيل مبادئ إِهلاكهم بقوله:
{ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ } قومه معه قبل الغرق { بِالسِّنِينَ } أَعوام القحط وقلة المال كما قال صلى الله عليه وسلم:
"اللهم اجعلها سنيناً كسنين يوسف، أَو سنين كسنى يوسف" { وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ } لقلة الماء ولما يفسدها كريح وشدة برد وشدة حرارة، ونزول برد - بفتح الراء - وعن ابن عباس: القحط لأَهل البادية ونقص الثمرات فى أَمصارهم. قال كعب الأَحبار: يأتى الناس زمان لا تحمل النخلة فيه إِلا ثمرات { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } حالهم، كحال من يعصى فيعاقب رجاء للانزجار، ففيه استعارة تمثيلية، أَو لعل للتعليل أَى ليذكروا أَن ذلك لكفرهم ومعاصيهم، فينزجروا إِلا أَن لعل يثبت المحققون مجيئها للتعليل.