التفاسير

< >
عرض

وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ
١٣٧
-الأعراف

تيسير التفسير

{ وَأَوْرَثْنَا } من فرعون أَو العمالقة، وذكر الإِرث إِشارة إِلى الأَخذ بسهولة { القَوْمَ } بنى إِسرائيل { الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ } يوجد ضعفاء من فعل الكفرة بهم من الاستبعاد وقتل الأَولاد أَو يفعل بهم ما يفعل بالضعيف الذى لا يرد عن نفسه لضعفه، أَو يحسبون ضعفاءَ وليسوا كذلك عند الله بل أَقوياءَ بالحق الذى عندهم أَو بالسعادة { مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا } مفعول ثان لأَورث، والمراد أَرض الشام شرقه وغربه أَى كله، أَو مصر، على أَنهم رجعوا إِليها، أَو فى زمان داود، أو ملكوها بالتصرف فيها وكونها تحت أَيديهم ولو لم يدخلوها، والبركة بالرزق والثمار وكثرة الأَنبياءِ، فإِن أَرضه تنبت الثمار الكثيرة بلا ماء كثير. وليس ماؤه أَكثر من ماءِ غيره، بل ماء غيره أَكثر من ماء مواضع كثير منه، ومياه دمشق كثيرة جداً، وذكر بعض أَنه لم يبعث نبى إِلا من الشام، والنبى صلى الله عليه وسلم أسرى منها، بل بعث من أَرض هى أَفضل من الشام، ليكون كملك رعيته فى غير بلده أَيضا، قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن خوالة الأَزدى "عليك بالشام فإِنها خيرة الله من أَرضه يجتبى إِليها خيرانه من عباده" . وقال: "يأتى زمان لا يبقى مؤمن إِلا بالشام" وقال: "ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها على الشام" وسميت بشام بن نوح فإِنه فى السريانية بالشين المعجمة، أَو بقوم من كنعان تشاءَموا إِليها، أَى تياسروا إِليها، أَو لأَن أَرضها شامات بيض وحمر وسود، والتى نعت لمشارق ومغارب، ويضعف كونه نعتا للأَرض للفصل بالعطف، ويجوز أَن تكون الأَرض أَرض مصر أَورثهم الله إِياها بعد فرعون فإِن فيها البركة بالنيل وغيره، ويدل له قوله تعالى " { كذلك وأَورثناها بنى إِسرائيل } " [الشعراء: 59] وقوله { كذلك وأَورثناها قوما آخرين } [الدخان: 28] أَو مصر والشام، ولا يصح ما قيل أَرض الدنيا المعمورة لأَنه لم يملكها بنو إِسرائيل كلها، ولا داود ولا سليمان عليهما السلام { وَتَمَّتْ } مضت ونجزت، والموعود كالمعلق والوفاء به تمام وكمال له { كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى } وعده الأَزلى أَو وعده بالمن بالنصر وإِيراثهم وتمكينهم فى الأَرض إِلى آخر ما فى قوله تعالى " { عسى ربكم أَن يهلك عدوكم } " [الأَعراف: 129] الآية، وفى قوله تعالى: " { ونريد أَن نمن على الذين } " [القصص: 5] إِلخ. { عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا } بسبب صبرهم على استعباد فرعون إِياهم وقتل الأَولاد، إِذ لم ينجوا أَنفسهم بالكفر بل بقوا على الإِسلام، ولا ينافى هذا الصبر قولهم تضجرا وتأَسفا { أوذينا من قبل أَن تأتينا } [الأَعراف: 129] إِلخ.. لأَن التأَسف لا ينافى الصبر، وإِنما ينافيه السخط للمقدور { وَدَمَّرْنَا } أَبطلنا { مَا كَانَ يَصْنَعُ } من القصور والعمارات { فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ } اسم كان يعود لما، أَو إِلى الشأن، أَو كان زائدة وما مصدرية، وأَجاز بعض كون فرعون اسم كان مع أَن الخبر الفعلى لا يتقدم على المبتدأ حال اللبس، وهنا يلتبس أَن فرعون فاعل يصنع، وسوغه هنا وجود فعلين يستحق كل منهما فاعلا، ويجوز تنازع كان ويصنع فى فرعون { وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ } يرفعون من الجنات والبناءِ العالى كصرح هامان.