التفاسير

< >
عرض

وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ
١٤٢
-الأعراف

تيسير التفسير

{ وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةَ } ثلاثين مفعول ثان لواعدنا، وهو نفس الموعود، والمراد وعد عبادة عظيمة أَى واعدناه إِياها بالعبادة فيها، وليس ظرفا، وكأَنه قيل: واعدناه عبادتها أَو تمامها، أَو مكثها منه وإِنزال الكتاب منا. وذلك أَن المواعدة من الله ومنه، والثلاثون هى ليالى ذى القعدة، صارت ثلاثين لا تسعة وعشرين، أَمره بصومها فصام لياليها وأَيامها، لا لياليها فقط بأَمر الله، على أَن يعطيه التوراة ويكمله على تمامها، ولما تمت كره أَن يلقى الله بريح فم الصوم فمضغ شيئا من نبات الأَرض أَو تسوك بعود خرنوب، أَو أَكل من ورق الشجر، فقال الملائكة: كنا نشم من فيك رائحة المسك فأَفسدته بالسواك، وفى قولهم كنا نشم تفسير لما روى أَنه أَوحى الله إِليه: لا أَكلمك حتى يعود فوك إِلى ما كان عليه، أَما علمت أَن ريح فم الصائم أَحب إِلىَّ - أَى إِلى ملائكتى - من ريح المسك، وأَمره بصوم عشرة من ذى الحجة آخرها يوم العيد، كما قال { وَأَتْمَمْنَاهَا } أَى الثلاثين زدنا عليها ما يتم به شأنها، فلا يقال هى تامة فى نفسها بعددها فكيف يتم عددها، أَو أَتممنا المواعدة المعلومة من واعدنا { بِعَشْرٍ } بليال عشر صامها ليلا ونهاراً، أَقدره على ذلك فى أربعين يوما، أَو كان يفطر عند الغروب فقط، والوصال مباح للأَنبياءِ خاصة، أَو مع أممهم السابقة، وشاركتهم الصحابة أَول الأَمر ثم نسخ جوازه لغير النبى صلى الله عليه وسلم { فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ } الميقات ما قدر فيه عمل الوقت، وما وقت لشئٍ قدر أَم لم يقدر { أَرْبَعِينَ لَيْلَةَ } أَى بالغا أَربعين ليلة، أَو حال كون ميقاته أَربعين، أَو ظرف على تأويل أَن كل جزءٍ من الأَربعين به التمام، إِذ لو لم يكن لم يحصل التمام، وزعم بعض أَن أَربعين حال، إِذ ناب عن الحال وهو بالغا، ورده أَبو حيان بأَن مفعول الحال لا يسمى حالا، وردوا عليه تعصباً بأَن النحاة يسمون معمول العامل باسم العامل كما يسمون الظرف خبراً، وهذا خطأ، والصواب مع أَبى حيان لأَن الظرف يسمى خبراً لتضمنه معنى الخبر الاستقرارى، وإِذا حذف المنعوت المخبر به فإِنما يطلق على النعت أَنه خبر لأَنه جئَ به على معنى الإِخبار به، وهكذا ولا يتوهم أَن أَربعين بمعنى إِلا من لم يبلغ العقد، وآخرها يوم العيد، أَو ثلاثين ذى الحجة تمت بعشرة من المحرم آخرها يوم عاشوراءَ فكلمه الله آخر يوم عيد الأَضحى أَو آخر يوم عاشوراءَ، وعده الله أَن يهلك فرعون ثم ينزل عليه كتابا فيه ما تفعل بنو إِسرائيل وما تذر، فأَمره الله عز وجل أَن يصوم الأَربعين كما أَجمل فى سورة البقرة، وفصل هنا بثلاثين وعشرة، وقيل الثلاثون للتقرب، والعشرة لإِنزال التوراة، وللكلام فى الجزء الأخير منها أَو بعد تمامها، وفيها وقعت قصة العجل، وما نزل فى العشرة أَو آخرها أَو بعد تمامها صح أَنه نزل فى الأَربعين أَو بعد تمامها، ولكن خصت العشرة بالإِنزال لأنها أَعدت له { وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ } حين ذهب إِلى الطور للمناجاة { اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى } قم فيهم مقامى بالأَمر والنهى والتعلم، وهذا يدل أَن موسى أَصل فى النبوة لهارون قوة وسبقاً لأَنه أَضاف القوم لنفسه، وجعل هارون عليه الصلاة والسلام تبعاً له. وهارون رسول من الله عز وجل استقلالا، ورسول من موسى تبعاً وخلافة { وَأَصْلِحْ } أُمورهم ولا تترك فيهم فسادا، أَو احملهم على عبادة الله عز وجل، أَو مفعول له، أَى كن ذا إِصلاح فيهم، وإِما مواظبة { وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ } دم على عدم اتباع سبيلهم فى الإِفساد والدعاء إِليه.