التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
١٥٨
وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
١٥٩
-الأعراف

تيسير التفسير

{ قُلْ } يا محمد { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } العرب والعجم بنى إِسرائيل وغيرهم { إِنِّى رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } وبهذا العموم وقوله نذير. الحصر فى أولئك هم المفلحون، وقوله: كافة للناس يحكم ويبين ما أَوهم من الآيات أَن بنى إِسرائيل أمروا أَن يحكموا بما فى التوراة والإِنجيل، وإِنما ذلك فيما قبله صلى الله عليه وسلم، أَو فيما معه بشرط موافقة القرآن، أَو قبل نزول ما ينقضه من القرآن، أو ما فيهما من صفاته وأَحكامه { الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } صفة الله، أَو أَعنى الذى، أَو هو الذى، ولا يضر فصل النعت بمعمولى عامل منعوته لأَن عامل الكل واحد وهو رسول { لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } بيان لقوله{ الذى له ملك السماوات والأَرض } ولو كان لا محل للجملة المتبوعة، وزاده تقريراً بقوله { يُحْيِى وَيُمِيتُ } أَى لا يقدر على الإِحياء والإِماتة إِلا من هو إِله، ولا تعلقان لسوق الكلام لمفعولهما لأَن المراد ذو الإِحياء والإِماتة فلا يقدر لهما مفعول. اللهم إِلا أَن يقدر يحيى ما يشاء ويميت ما يشاء، ويجوز أَن يكون الذى مبتدأ خبره يحيى ويميت، { فَآمِنُوا } تفريع بالفاء للإِيمان على ما تقرر من رسالته صلى الله عليه وسلم، فإِن المقصود من الإِرسال الأَمر بالإِيمان، وهذا من قوله صلى الله عليه وسلم إِلى قوله: تهتدون. وإِنما قال: { بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبىِّ الأُمِّى الَّذِى يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ } القرآن وغيره مما أَنزل الله، ولم يقل بالله وبى لتجرى عليه الصفات المذكورة الداعية إِلى الإِيمان، وهى الرسالة والنبوة وكونه لا يكتب ولا يعرف قراءَة، ومع ذلك أَتى بما يعجز، وكونه يؤمن بالله وكلماته، والضمير لا يوصف، وليفيد بلاغة بطريق الالتفات من التكلم للغيبة، وليفيد أَن الذى يجب الإِيمان به هو المتصف بالنبوة والأُمية والإِيمان بالله وكلماته الذى فى التوراة والإِنجيل بهذه الأَوصاف كائنا من كان إِياى أَو غيرى، وهذا إِرخاء للعنان وإِظهار للصفة { وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } أرجو الاهتداءَ باتباعه، أَو لكى تهتدوا، فإِنه لا هدى لمن كذبه أَو لم يتابعه:
{ وَمَنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ } جماعة { يَهْدُونَ } هدوا الناس { بِالحَقِّ } والباء للملابسة أَو للآلة، ودون ذلك أَن تكون بمعنى إِلى أَو اللام أَو صلة فى المفعول الثانى لهدى، والأَول الناس، ويتعين الأَولان فى قوله { وَبِهِ } بالحق { يَعْدِلُونَ } عدلوا فى الحكم، وعدل للمضارع لحكاية الحال الماضية قبل التحريف، هم على عهد موسى عموما بالتقوى، أَو قوم مخصوصون على عهده أَيضاً، وفى ذلك دفع لما يتوهم من تخصيص هذه الأُمة بذلك، أَو هم من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من بنى إِسرائيل على عهده كعبد الله بن سلام، ولا يلزم من لفظ الأُمة الكثرة ولو كان الغالب الكثرة، وهؤلاء كثير بالنسبة ولا سيما من قبل التحريف، وأَيضاً المنفرد عن قومه أمة ولو واحداً
" { إِن إِبراهيم كان أمة } "[النحل: 120]، أَو لما أَخلصوا عظموا وكانوا كالكثير جداً. وقيل: سبط من بنى إِسرائيل تبرءوا من قتل الأَسباط أَنبياءَهم فسأَلوا الله أَن يفارقوهم، ففتح لهم سرباً وأَجرى معهم نهراً، وأَرزاقا ومصابيح تطفأ ليلا ويبيتون، وساروا سنة ونصفاً، وخرجوا وراءَ الصين فى أَرض طيبة لا يضرهم ما خالطهم من سباع وهوام؛ إِذ لا يعصون الله طرفة عين، تصافحهم الملائكة، لا يصل إِليهم أَحد، ولا يصلون إِلى أَحد يمطرون ليلا، ويزرعون نهاراً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإِسراء لجبريل عليه السلام: أحب أَن أَرى القوم الذين أَثنى الله عز وجل عليهم { ومن قوم موسى أمة } الآية، قال: بينك وبينهم ست سنين ذهاباً وست رجوعاً فادع ربك، فدعا، وأَمن جبريل، فأَوحى الله أَن أَجبه فركب البراق فبلغهم فى خطوات، فقالوا: من أَنت؟ قال: النبى الأُمى.. قالوا: أَنت الذى بشر بك موسى، قالوا: فمن معك؟ قال: أَترونه؟ قالوا: نعم. قال: جبريل. قال: فلم كانت قبوركم على أَبواب دوركم؟ قالوا: لنذكر الموت صباحاً ومساء، قال: فلم تساوى بنيانكم؟ قالوا: لئلا نشرف ولا نسد الريح، قال: فلم لم يكن قاض ولا سلطان؟ قالوا: لإِنصافنا.. قال: ولم لم يكن سوق؟ قالوا: نزرع جميعاً ونحصد ونأخذ الكفاية.. قال: فلم يضحك هؤلاء؟ قالوا: مات ميتهم على الإِسلام، قال: ولم يبكى هؤلاء؟ قالوا: ولد لهم مولود ولا يدرون علام يموت، قال: فما تصنعون إِذا ولد ذكر؟ قالوا: نصوم شهراً شكراً لله، قال: وأنثى؟ قالوا: شهرين. قال: لم؟ قالوا: لأَن موسى عليه السلام قال: إِن للصبر عليها أَجراً عظيماً.. قال: أَتزنون؟ قالوا: لوزنا أَحد لحصبته السماء وبلعته الأَرض. قال: أَتربون؟ قالوا: إِنما يربى من لا يؤمن برزق الله. قال: أَتمرضون؟ قالوا: لا، إِذ لا نذنب، والمرض كفارة لذنوب أُمتك. وعلمهم شريعة الإِسلام، والصلوات الخمس، والفاتحة وسوراً عشراً، وأَمرهم أَن يتركوا السبت، وأَن يستقبلوا الكعبة ويجمعوا، وقالوا: أَوصانا موسى أَن يبلغك من أَدركك سلامه، فرد عليه وعليهم السلام. ومعنى أَن يجمعوا أَن يصلوا جماعة، ويروى أَن بينكم وبينهم نهراً من رمل يجرى، ولا صحة لذلك.