التفاسير

< >
عرض

فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٦٩
-الأعراف

تيسير التفسير

{ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ } فيه تجريد خلف عن بعض معناه وهو البعدية، واستعمل فى باقيه وهو مطلق المجئَ حتى صح مجئ لفظ بعد بعده وأَصله المجئ بعد حتى لا تحتاج إِلى ذكر لفظ بعد { خَلْفٌ } شهر فى خلف السوءِ وهو المراد فى الآية، وذلك على الغالب، وقد يستعمل فى الخير كقول حسان:

لنا القدم الأُولى إِليك وخلفنا لأَولنا فى طاعة الله تابع

وقد يقال: سكنه للضرورة، وأَما عقب الخير فبفتح اللام، وقد يستعمل فى الشر، وكلاهما مصدر يستعمل بمعنى الوصف، وقيل فى المسكن أَنه جمع خليف، ويرده أَنه لا يثبت جمع فعيل على فعل وأَنه يطلق أَيضاً على الواحد، فاسم الجمع أَولى به، وقيل: جمع لخالف كراكب وركب، وتاجر وتجر والمراد أَسلاف ولو أَجانب، { وَرِثُوا الكِتَابَ } التوراة، أَخذوه عمَّن قبلهم، وأَل للعهد لأَن الكلام فى اليهود والتوراة كتابهم، يقرءَونها ويقفون على ما فيها، وذكر ذلك بالإِرث لأَن الإِرث أَبلغ ما به الملك لأَنه لا يفسخ ولا يسترجع ولا يبطل برد ولا إِسقاط مع ما فيه من السهولة لكونه بلا علاج، ولا يحتاج لقبول أَو قبض، والمراد علماء اليهود على عهده صلى الله عليه وسلم، لا مطلقهم، وذلك حكم على المجموع لأَن الجهال أَبعد عن أَن يعتبروا بإِرثه ولو وجب عليهم العمل به، ولقوله { يَأْخذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى } هذا المال الأَدنى أَى القريب الزوال، قيل: أَو المال الدنئ أَى الخسيس، والخسة بالقلة والتكدر، ويرده أَن هذا مهموز وما فى الآية غير مهموز، وادعاء قلب الهمزة أَلفاً تكلف، وذلك مال الدنيا وعرضه ما تيسر لهم أَخذه من حلال أَو حرام، وسمى عرضاً لعدم ثباته، ومنه سمى المتكلمون ما يقابل الجوهر عرضا لأَنه لا يبقى، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر" ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا عرض حاضر وظل زائل" وصفهم بالرغبة فى المال حلالا وحراما بما تقدم، وبين الحرام بقوله { وَيَقُولُونَ: سَيُغْفَرُ لَنَا } وعلى تحريف التوراة وعلى كتمها وعلى تفسيرها بغير معناها، وعلى محو ما أَرادوا وعلى كتمانه، ويتمنون أَو يرجون مغفرة ذلك، بلا توبة مع إصرار كما قال { وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ } فى الحرمة { يَأْخُذُوهُ } بل ظاهر يقولون الجزم بالمغفرة مع الإِصرار وهو أَشد قبحاً عليهم، ويأخذون مستأَنف لبيان حالهم، أَو حال من واو ورثوا، ونائب فاعل يغفر هو لنا، أَو مستتر عائد إِلى الأَخذ المعلوم من يأخذون والإِسناد إِلى نائب الفاعل ولو ظرفاً أَو مصدر حقيقة لا مجاز كما قيل، وقررهم ووبخهم بقوله: { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الكِتَابِ } أَى الميثاق فى التوراة، أو ضيف إِلى الكتاب لأَنه فيه، أَو لأَنه متعلقه، أَن علق به كمكر الليل، أَى استيثاق فى التوراة { أَن لاَّ يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلا الْحَقَّ } فإِذا طمعوا فى الغفران مع الإِصرار، أَو طلبوا مع الإِصرار، أَو اعتقدوا إِمكانه فقد قالوا على الله غير الحق، فإِن فيها من ارتكب ذنباً عظيماً لا يغفر إِلا بالتوبة، وأَلا يقولوا فى تأويل المصدر عطف بيان للميثاق، أَو بدل، أَو متعلق به على إِضمار الباء، أَى بأَلا يقولوا.. إِلخ... أَو متعلق بيؤخذ على إِضمار لام التعليل، أَو أَن تفسير لأخذ الميثاق فتكون لا ناهية { وَدَرَسُوا مَا فِيهِ } عطف على ورثوا والجامع عقلى لأَن إِرث الكتاب سبب لدرسه، وفسره بعض بضيعوا فى هذا الوجه، أَو عطف على أَلم يؤخذ، باعتبار معناه الخبرى المأخوذ من التقرير كأَنه قيل قد أَخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا ما فيه، عقلى أَيضاً لأَن الدراسة سبب للاطلاع على الميثاق الوارد فى الكتاب، وذلك كعطف وضعنا على أَلم نشرح، ولبثت على أَلم نربك، وأُجيز عطف على أَلم يؤخذ فينسحب عليه الاستفهام التقريرى، أَى قد ثبت درسهم له فلم لا يعملون به { والدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ } نفع أَو أَفتن بالنسبة إِلى ما فى الدنيا من فضل فإِن ما يأخذون من نحو الرشا فيه فضل دنيوى على عدم أَخذه { لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } الحرام والقول على الله بغير الحق { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أَتدرسون فلا تعقلون، خطاب للذين يأخذون عرض هذا الأَدنى على طريق الالتفات من الغيبة للخطاب، ويبعد أَن يكون الخطاب لهذه الأُمة فى ذلك العصر، إِذا لم تظهر الرشوة على عهد نزول الآية، اللهم إِلا إِن اعتبر ما يصير بعد، أَو يراد أَفلا تعقلون حال اليهود فتحتجوا عليهم.