التفاسير

< >
عرض

قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٦٠
قَالَ يَٰقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَـٰلَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ
٦١
أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٦٢
-الأعراف

تيسير التفسير

{ قَالَ الْمَلأُ } الأَشراف سموا لأنهم يملأون صدور المحافل بأَجسادهم، أَعنى صدور مجالس الجماعات بجلالتهم وهيبتهم وأَتباعهم والعيون بجمالهم وأُبهتهم، أَو لملاءَتهم بالمعروف وجودة الرأى، ولم يقل الذين كفروا من قومه لأَنه لم يؤمن أَحد منهم بل آمن من آمن من قومه لا من ملئهم فى غير أَول دعائه إِياهم، بخلاف ما فى هود فمنهم من آمن فقال فيها ذلك واقتصر هنا على قوله { مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لنَرَاكَ } نعلمك { فِى ضَلاَلٍ مُبِينٍ } بترك دين آبائك وقومك، بالغوا بجعله مظروفاً للضلال وإِن واللام، ويقال والجملة الاسمية، ولذلك قابلهم بقوله فى قوله تعالى:
{ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِى ضَلاَلَةٌ } باستغراق الضلال بالنفى للنكرة أَو بنفى الواحدة فضلا عن أَن يكون الضلال ظرفاً له محيطاً به، والضلال عدم الاهتداء، وأَصله الغيبة، ادعوا أَنه غاب عن الحق فنفى ما ادعوه، ولو قال ليس بي ضلال لاحتمل نفى ضلالتين أَو أَكثر ونفى الضلال مطلقاً، لأَنه مصدر يصلح للقليل والكثير وأَما ضلالة ففى تاء الواحدة ولا يقال المراد نفى الماهية فيكون أَبلغ لأَنا نقول الماهية ليست بمعنى الوحدة أَو القلة، بل تصدق بالقليل والكثير، وناداهم يا قوم استجلابا إِلى الحق، وقابل الضلالة بمرادف ضدها وهو الهدى فى قوله { وَلَكِنِّى رَسُول مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } لأَنه من كان رسولا من الله فهو على الهدى فى الغاية، لأَن صيغة الاستدراك قد تكون للتأكيد بنحو لست بنائم لكنى مستيقظ، أَو لما أَرادوا بضلاله أَنه ترك دين آبائه وأَنه ادعى الرسالة ونفى الضلالة توهم أَنه ترك دين آبائهم، أَنه ترك دعوى الرسالة فأَتبعها بالاستدراك، أَو المعنى ليس إِلى شئ من الضلال كائنا ما كان بل فى غاية من الهدى، أَو الاستدراك هنا بمعنى مطلق التدارك على معنى بل. كقولك ما أَنا مريض لكن صحيح جداً، أَو لما نفى الضلالة يبقى أَن يقال لعل الرسالة أَيضاً غير ثابتة فأَثبتها بلكن، أَو أَتى بلكن على طريق تأكيد المدح بما يشبه الذم أَى لا ضلالة بي إِلا الرسالة إِن كانت ضلالة { أُبَلِّغُكُمْ } مستأْنف فى التفات لبيان الرسالة المذكورة فى قوله رسول أَو نعت لرسول مراعى فيه المعنى، لأَن الرسول هو القائل أبلغكم التفاتا من غيبة الاسم الظاهر، وهو رسول إِلى التكلم فالرابط هو المستتر، ولو راعى الظاهر لقال يبلغكم بالياء، ويجوز أَن يكون أبلغ حبراً ثانيا للكن فلا التفات كأَنه قيل لكنى رسول من رب العالمين ولكنى أبلغكم { رِسَالاَتِ رَبِّى } جمع باعتبار أَفراد الوحى كلما جاءَه، وباعتبار تعدد أَنواعه كأَمر ونهى ووعظ وأَحكام وإِنذار وتبشير على الإِيمان إِن وقع وقصة ومسائل وصحف إِدريس وهى ثلاثون وصحف شيث وهى خمسون، فهو يبلغهم ما أرسل به وما أرسل به غيره { وَأَنْصَحٌ لَكُمْ } أرغبكم من عندي فى الطاعة وأحذركم عن المعصية بذكر عواقب ذلك وبتمييز الأَحسن من الحسن والأَصلح من الصالح، وبترغيبكم فى القبول عن الله، فحقيقة النصح تعريف وجه المصلحة مع خلوص النية من شوائب المكروه، ويقال أَيضاً نصحتك، ولكن فى اللام دلالة على إِمحاض النصح، قال الفراء: وهو الغالب { وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ } من للابتداء متعلق بأَعلم أَولى من تعليقه بمحذوف أَى أَعلم بالوحى من الله { مَا لاَ تَعْلَمُونَ } من الأُمور الآتية، ومن شئونه وبطشه الشديد، ولم يعلموا بقوم حل بهم العذاب قبلهم لعدم ذلك أَو لم يسمعوا بذلك وقد وقع قبلهم.