التفاسير

< >
عرض

فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
٥
فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ
٦
فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ
٧
-الأعراف

تيسير التفسير

{ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ } أَي دعاؤهم الله أَو تضرعهم إِليه، حكى الخليل عن العرب: اللهم أَشركنا في صالح دعوى المسلمين، أَي دعائهم، قال الله تعالى " { دعواهم فيها سبحانك اللهم } "[يونس: 10]. وقال الله تعالى: " { فما زالت تلك دعواهم } "[الأنبياء: 15] وتقول: إِن العرب دعواهم يا لكعب، أَي استغاثتهم، ففي الآية أَنهم يستغيثون من الله بتوسيط الأَصنام بينهم وبين الله عزّ وجلّ، أَو دعواهم ادعاؤهم كما هو المشهور، أو هو في ذلك كله بالمعنى المصدري لأَنه خبر لكان واسمها مصدر من قوله { إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَنْ قَالُوا } طمعاً في الخلاص { إِنَّا كنَّا ظَالِمِينَ } لا كما قيل أَنه في الوجه الأَخير بمعنى مفعول، والمعنى ما كان ادعاؤهم إِلا اعترافهم بأَنهم ظالمون في ديانتهم، وهو اعتراف تحسر حين لا ينفع، وفي تفسيره بالدعاء ما يشبه تأْكيد الذم بما يشبه المدح من عكس قوله "ولا عيب فيهم غير أَن سيوفهم" البيت، إِذ جعل اعترافهم بالظلم دعاءً، وإِنما قلت دعواهم خبر مقدم لأَن المصدر الذي ينسبك من الفعل وحرف المصدر أَعرف إِذا كان بعد التأْوِيل به مضاف لمعرفة وهو بمنزلة العلم وبمنزلة الضمير، والضمير لا يوصف لكونه اسماً أَولى من كونه خبر، ويدل لذلك قوله فما كان، ولو كان دعوى اسماً لكان الأَصل أَن يقال كانت بالتاء ولو حيث جاز التذكير كعدم تحقق التأنيث وكالفصل، وقد ورد في غير موضع من القرآن نصب المتقدم وهو أَليق بمقام الحصر كما هنا، وأَجاز بعض كون دعوى اسماً وأن قالوا خبرا { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ } عطف على قوله كتاب أُنزل إِليك عطف إِنشاء على إِخبار، وإِنما كان لنسأَلن إِنشاءً باعتبار القسم لأَن المعنى فوالله لنسأَلن، أَو على قوله لا يكن في صدرك إِلخ عطف إِنشاءٍ على إنشاءٍ وهذا أَولى، كأَنه قيل لا تضق لأَنا سنسأَلهم، والوجهان على أَن الأَصل أرسلت بالبناء للمفعول وفتح التاء وحذف التاء وناب الجار والمجرور، ويجوز أَن يكون النائب ضميراً مستترا وعائدا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبرز الضمير مع جريان الصلة على غير من هي له لظهور المعنى. ويجوز العطف على جاءَها بأسنا أَو قالوا، وكان العطف بالفاء لترتيب الأُمور الأَخروية على الدنيوية، أَو رابطة لجواب شرط مقدر، أَي إِذا كان ذلك فلنسأَلن، وقدر بعضهم لنحشرنهم فلنسأَلن الذين، والأَصل فلنسأَلنهم ووضع الظاهر موضع المضمر، وهذا في عذاب الآخرة، وما قبله في الدنيا، والذين واقع على هذه الأمة، أَي ولنسأَلن الأُمة الذين أَرسلناك إِليهم هل اتبعوك، أَو على الأُمم أَي ولنسألن الأُمم الذين أَرسلنا إِليهم المرسلين هل اتبعوهم، وهذا أَهم فائدة وأَنسب بقوله: { وَلَنَسْأَلَنَّ المُرْسَلِينَ } هل بلغوا إِلى أممهم، أَما سؤال الأُمم فسؤال توبيخ وتقريع لهم على كفرهم، وأَما قوله تعالى " { ولا يسأَل عن ذنوبهم المجرمون } " [القصص: 78] و " { فيومئذ لا يسأَل عن ذنبه إِنس ولا جان } " [الرحمن: 39] فسؤال استعلام نفاه الله لعلمه بهم وبذنوبهم، أَو إِثبات السؤال التوبيخي في وقت ونفيه في وقت آخر، ونفيه في وقت العقاب وإِثباته في وقت قبل ذلك، وقيل لا يسأَلون عن الأَعمال بل يسأَلون عما دعاهم إِليها، وقيل معناه لا يعاقب بالذنب غير فاعله، وقيل الذين أُرسل إِليهم الأَنبياء والمرسلون الملائكة: هل بلغتم الأَنبياء، وقيل: السؤال المنفي السؤال عن الذنب والمثبت مطلق السؤال عن التبليغ، ويعارض بأَن عدم قبوله الرسالة ذنب، ويجاب: لأَن السؤال هل بلغوكم أَو ما الصارف لكم عن القبول غير نفس السؤال، هل أَذنبتم وما ذنبكم وكم هو؟ ولما اعترفوا بالظلم سئلوا عن سبب هذا الظلم، وسؤال تقريع لأُممهم، وزيادة خزي لهم بكونهم يفتضحون بالشهادة بالرسل بالتبليغ، وإِظهار لشرفهم بالجد في التبليغ، وإِكرام، ويناسب ما مر في الآية من سؤال الأُمم هل قبلوا قوله تعالى " { يوم يجمع الله الرسل } " [المائدة: 109] الآية. وقيل: المراد في الآية ما شمل ذلك وما في الحديث والأَثر من سؤال المرأَة عن مال زوجها وحقه، والعبد عن مال سيده وحقه، وعكس ذلك، والإِنسان فيم أَبلى قوته؟ وفيم أَنفق ماله؟ وهل عمل بما علم؟ وفيم أَفنى عمره؟
{ فَلَنَقُصَّنَّ } جميع أَحوالهم بكتابهم { عَلَيْهِمْ } على الأُمم المرسل إِليهم والرسل من اتباع وإِنكار وتبليغ أَو على الرسل من تبليغ حين دهشوا من القول حتى قالوا لا علم لنا { بِعِلْمٍ } أَي ثابتين مع علم بما في قلوبهم وأَلسنتهم وجوارحهم من تبليغ وقبول ورد، أَو لنقصن عليهم بمعلومنا أَى لنخبرنهم به، وعلى هذا فعلم مصدر بمعنى مفعول { وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ } عنهم فلا يخفى عنا شيء من أَحوالهم وأَحوال الرسل وأُممهم.