التفاسير

< >
عرض

قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ
٨٩
-الأعراف

تيسير التفسير

{ قَدِ افْتَرَيْنَا } قطعنا من عند أَنفسنا { عَلَى اللهِ كَذِبًا } مفعول به، وإِن قلنا افترينا افتراء فجعل كذبا مكان افتراء فمفعول مطلق، لما كان على معنى جواب الشرط كان فى معنى الاستقبال، فإِن الافتراءَ لم يكن، وإِنما يكون بعد ذلك إِن عادوا فى ملتهم كما قال { إِنْ عُدْنَا فِى مِلَّتِكُمْ } وقد لتقريب الماضى من الحال، أَو للتحقيق، أَى قد افترينا الآن بعد أَن هممنا بالعود، أَو تحقق العود { بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْهَا } بعدم الكون فيها قط كما هو حال شعيب ومن آمن قبل البلوغ أَو معه، أَو بالخروج منها بعد الكون فيها كما هو شأن من آمن من قومه بعد الكفر، مقتضى الظاهر بعد إِذ خرجنا منها على طريق التعجب من ذلك، ووجهه زيادة قبح الردة على قبح الإِشراك الأَول، لأَن المرتد قد بان له تمييز الحق تحقيقا أَو حكما فكيف يكذب نفسه { وَمَا يَكُونُ لَنَا } ما ينبغى لنا، أَو ما يصح لنا { أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّنَا } أَن نعود فيها، أَو إِلا أَن يشاءَ الله خذلاننا، فالله عز وجل أَراد كفر الكافر، وشاءَ كفره، والآية دليل على ذلك، ولا يقع فى ملكه إِلا ما يريده، لأَن ذلك عجز وخروج عن الملك، ولما منعت المعتزلة إِرادة الله الكفر قالوا: أَراد الله حسم طمعهم فى العود بتعليقه بما هو غير ممكن هو إِرادة الله كفر الكافر، وذلك تعسف، أَلا ترى إِلى قول إِبراهيم عليه السلام { واجنبنى وبنِىَّ أَن نعبد الأَصنام } [إبراهيم: 35] وقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: "يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك" وقول يوسف عليه السلام { توفنى مسلما } [يوسف: 101] وأَيضا إِذا كان الله هو المنجى منها تبين أَنه هو المريد لعدم التنجية منها، فذلك مشيئة وإِرادة لها منه فى حق من كان عليها، ومصدر يشاء ظرف، أَى إِلا وقت مشيئة الله، أَو شبه الظرف، أَى فى حال من الأَحوال إِلا فى حال أَن يشاءَ الله، أَو مقدر بالباء أَى إِلا بمشيئة الله { وَسِعَ ربُّنَا كُلَّ شَىْءٍ عِلْمًا } تمييز عن الفاعل، أَى وسع علمه كل شئ، فهو عالم بأَحوالنا وأَحوالكم، فيجازى كلا بما يستحقه { عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا } فى أَن يثبتنا على التوحيد والعمل الصالح، أَو ينجينا من القوم الظالمين { رَبَّنَا افْتَحْ } احكم { بَيْنَنَا } معشر المؤمنين { وَبَيْنَ قَوْمِنَا } وهم المشركون، بأَن تنصرنا عليهم وتهلكهم، أَو ربنا أَظهر للناس أَن الحق معنا لا معهم، وعلى كل حال يكون هذا إِعراضا منه عنهم إِذ أَيس من إِيمانهم، وكل من ذلك عدل من الله، كما قال { بِالحقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ } أَى أَعظم أَو أَشد { الفَاتِحِينَ } الحاكمين أَو المظهرين. قيل: الفتح بمعنى الحكم والقضاء لغة حمير، وقيل لغة مراد، ووجه ذلك أَن الحاكم يفتح مواضع الحق ويظهرها. وعن ابن عباس: ما كنت أَدرى ما قوله ربنا افتح حتى سمعت ابنة ذى يزن وقد جرى بينى وبينها كلام، فقالت: أَفاتحك، أَى أُقاضيك. أَجاب الله دعاءَه فنصره وأَهلكهم فمضى هو والمؤمنون إِلى مكة فسكنوها، وقبورهم غربى الكعبة بين دار الندوة وباب سهم، وعن ابن عباس: فى المسجد الحرام قبران فقط، قبر إِسماعيل فى الحجر، وقبر شعيب مقابل الحجر الأَسود.