التفاسير

< >
عرض

فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاۤءً حَسَناً إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
١٧
-الأنفال

تيسير التفسير

{ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ } أَى فأَنتم لم تقتلوهم ولم تأْسروهم { وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ } وأَسرهم { وَمَا رميْتَ } ما أَوصلت التراب إِلى عيونهم وأَفواههم وأُنوفهم { إِذ رَمَيْت } إِذ أَلقيت التراب إِلى جهتهم { وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى } أَوصله إِليها، وحاصله: ما رميت به تلك الأَعضاء إِذ رميته إِليها، أَو إِذا أَردت رميها به ولكن الله رماها به. أَو ما رميت بالرعب إِذ رميت بالحصباء ولكن الله رمى بالرعب فى قلوبهم ويرجع هذا الذى ذكرته أَولا إِلى قولنا: ما أَثر رميك إِذ رميت ولكن الله أَثره، وأَفعال العباد بخلقه تعالى، وكسبها لها ومباشرتها، فهو رمى كسباً والله تعالى رمى خلقاً وتأْثيراً، ولو شاءَ الله لم يصلهم الرمى، أَو يصلهم ولا يؤثر فيهم، وجميع أَفعال العباد بخلق الله تعالى وكسبهم، وللعبد قدرة مؤثرة يخلقها الله إِن شاءَ، وإِن شاءَ أَبطلها فلم تؤثر، والمشهور أَنه لا أَثر له، أَى لا يؤثر إِلا بخلق الله عز وجل تأْثيره، ومشهور الأَشعرية أَن له قدرة غير مؤثرة، أَى لا تؤثر بذاتها فالخلاف لفظى، أَو لم يسموا ما للعبد تأثيراً، وزعمت المعتزلة أَن له قدرة يفعل بها ما لا يشاء الله عز وجل، وقالت المجبرة: لا قدرة للعبد أَصلا، ولتفسير الرمى المنفى والمثبت بما مر كان نظر القرآن كما هو، وإِلا فمناسب فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم، وما رميت ولكن الله رمى، ومناسب{ وما رميت إِذ رميت ولكن الله رمى } فلم تقتلوهم إِذ عالجتم قتلهم وظهر لكم أَنكم قتلتموهم ولكن الله قتله. ولا يناسب مقام قصة بدر أَن يقال هذا فى طعنه صلى الله عليه وسلم يوم أحد أَبى بن خلف، فإِن ظاهر الطعن غير الرمى، وإِنما قيل هذا فى رميه بسهم نحو الحصن يوم حنين، وإِصابته ابن أَبى الحقيق فى فراشه، لأَن فى ذلك دخول كلام أَجنبى فى أَثناء القصة، ولكن هذا حديث ضعيف، والصحيح أَنه مات بكسره صلى الله عليه وسلم ضلعه، أَو بخدشه له. أَتى أَبى بن خلف إِلى النبى صلى الله عليه وسلم بعظم رميم، فقال: يا محمد من يحيى هذا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "يحييه الذى يميتك ثم يحييك ثم يدخلك النار" . وأَسر يوم بدر فلما افتدى قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إِن عندى فرساً أَعلفها كل يوم فرقاً من ذرة أَقتلك عليها.. فقال صلى الله عليه وسلم: "بل أَنا أَقتلك إِن شاءَ الله" . ودنا يوم أَحد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترض له رجال من المسلمين ليقتلوه، فقال صلى الله عليه وسلم: "تأَخروا.." فرماه بحربة فكسر ضلعاً من أَضلاعه، وقيل خدشه بها، فكان يخور، أَى يصوت كثور، أَو يضعف، فحمل فقيل له: لا بأس عليك. فقال: قد وعدنى فوالله لو بصق على لقتلنى، ومات ببعض الطريق، وفى الآية حذف علة عطف عليها أخرى مذكورة هكذا: فعل ذلك ليقهر الكافرين..{ وَلِيُبْلِىَ المؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا } أَو يقدر فعل ذلك ليبلى المؤمنين، وبلاء اسم مصدر أَى إِبلاءً حسناً، أَى يحملهم على الشدة فيتحملوها بالصبر عليها كاختبار فيعقبها النصر، وذلك يوم أَحد، وذلك حكاية للحال الماضية، أَو المراد، ينعم عليهم بالغنيمة والنصر وإِظهار الآيات كاختبار هل يشكرون النعمة. أَو بلاء اسم لما بلاهم به من الغنيمة فيكون من نيابة الذات عن المصدر، أَو المراد الغنيمة نفسها على تضمين يبلى معنى يعطى، والإِبلاء والبلاء والمحنة فى الشر والخير كما قال الله جل وعلا: " { وبلوناهم بالحسنات والسيئات } "[الأَعراف: 168] { إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ } للأَقوال ومنها أَقوالهم ودعاؤُهم { عَلِيمٌ } بالأَشياء كلها ومنها أَحوالهم ونياتهم.