التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ
١١٤
وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١١٥
-التوبة

تيسير التفسير

{ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ } إِذ قال لأَستغفرن لك، سأَستغفر لك ربى { إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا } إِبراهيم { إِيَّاهُ } أَبَاه فهى مخصوصة بإِبراهيم لا يجوز ذلك لغيره، ولم يعده الله لغيره، فذلك نفس مذهبنا، وزعم بعض أَنه يجوز عود ضمير وعد لأَبى إِبراهيم وإياه ضمير إِبراهيم، وأَنه وعد لابنه إِبراهيم أَن يسلم فاستغفر له لوعده، وهذا لا يجوز الآن. { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } بالوحى بأَنه لا يؤْمن أَو بالموت على الكفر وأَما بدونهما فالتوبة محتملة،. { أَنَّهُ عَدُوُّ لله تَبَرَّأَ مِنْهُ } قطع على الاستغفار، وأَما غير إِبراهيم فيبرأُ من الكافر عند الجزم بكفره لا ينتظر موتاً ولا غيره، فكن أَنت يا محمد لا تستغفر لكافر بعد الجزم بكفره، ولا تنتظر موتاً ولا غيره، والتقييد بالموت ونحوه مخصوص بإِبراهيم والعدة مخصوصة به، وذلك نفس مذهبنا، وسائِر الآيات الآمرة ببغض الكافر وإِقصائِه وبراءَته أدلة لنا كيف يجتمع بغضنا له وإِقصاؤُه والاستغفار له. لا والله فإِنه تناقض، وبقى طلب الهداية فأُجيزت فى قول وقد تقاس على الاستغفار فتكون الآية نهياً له صلى الله عليه وسلم عنها أَيضاً { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ } كثير التأُوه وهو قول أُوه أُوه تضرعاً ودعاءً لفرط ترحمه ورقة قلبه كلما ذكر أَمراً من الآخرة أَو تقصيراً ما أَشفق. وفى الحديث: الأَواه الخاشع المتضرع فالتأَوه شامل للخشوع وكثرة الدعاءِ والتوبة والرحمة والإِيقان وكثرة التذكر والتسبيح والتعليم والرجوع عما يكره وتعلق القلب بالله تعالى { حَلِيمٌ } صبور على الأَذى لا ينقم ولا يحقد، بل يجازى السوءَ بالخير كما قال لأَبيه: سأَستغفر لك ربى إِذا قال لأَرجمنك، وإِذا آذاه أَحد قال: هداك الله، وبتلك السيرة فسر الحلم، وهذه الآية بيان لما حمله على الاستغفار له، وليس فيكم ما فيه من الرأْفة حتى يباح لكم ما أُبيح له مما وعد له وعدا فقط، والنبى صلى الله عليه وسلم ولو كان أَرأَف منه لكن حمله الله وأُمته على طريق واحد، وكانوا يستغفرون لموتاهم المشركين، ولما نزل المنع خافوا العقاب عما صدر منهم قبل المنع أَو بعده وقيل وصول الخبر فنزل:
{ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً } أَى لينسبهم إِلى الضلال فيعاقبهم أَو ما كان الله ليعاقبهم عقاب الذين ضلوا { بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ } بعد وقت هدايتهم إِلى الإِسلام لا ما قيل أَن إِذ بمعنى أَن المصدرية. { حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ } فإِذا بينه لهم فلم يتركوه سماهم ضالين، وعاقبهم. والمعتبر عموم معنى اللفظ ولو خص سببه فشملت الآية من شرب الخمر ومات قبل تحريمها ومن شربها بعد تحريمها وقبل وصول الخبر إِليه، ومن صلى إِلى المقدس ومات قبل التحول ومن صلى إِليه بعد التحول وقبل وصول الخبر إِليه، وفى كل مرتكب محرم قبل نزوله أَو بعده وقبل وصول الخبر، وقد قيل: نزلت فى هذه الأَشياءِ كلها { إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ } فهو عالم بأَنك غافلون لم يبلغكم الوحى نزل أَو لم ينزل.