التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ
١٢٣
-التوبة

تيسير التفسير

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ } فى الأَرض أَجانب أَو أَقارب فى النسب، نزلت الآية بعد ما قاتل أَهل اليمن لأَنهم أَبعد، وبعد ما قاتل قريظة والنضير وخيبر وفدك والعرب فى بدر وأُحد والأَحزاب، وقاتل الروم فى تبوك بعض قتال فلم يبق من يليه بعد قرب إِلا الروم فى الشام وتبوك منها فقاتلهم الصحابة والتابعون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك انتقلوا إِلى العراق وهو أَبعد وإِلى خراسان ومصر وإِلى المغرب، وكل ذلك بعضه أَبعد من بعض، وقلَّت الصحابة فى فتح أَندلس حتى قيل لاصحابى فى قتالها. وفى كتاب الاستقصاءِ أَنه دخلها صحابى واحد، وقد ذكرت اسمه فى غير هذه السورة وهو المنيار، وسمى المغرب الأَقصى باعتبار أَنه أَبعد ما بلغ الإِيمان وإِلا فليس آخر العرب وإِنما فتحها بعد فتح المغرب، وكلما قاتلوا أَهل موضع وغلبوهم فهم فى ذلك الموضع يليهم الكفار بعده، وذلك قتال للمشركين حيث وجدوهم، فلا ينافى " { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } "[التوبة: 5] وإِنما يقال نسخت هذه الآية بقوله عز وجل: اقتلوا المشركين، لو صح أَنه قاتل بعد نزولها من هو أَبعد، قبل من هو أَقرب، ولم يثبت ذلك فلا نسخ، وقتالهم دفعة لا يتصور وفيه مضرة، وإِذا قاتلوا الأَقرب فالأَقرب تقووا بالغنيمة ونجوا من شر عدو بينهم وبين العدو الآخر، فلو تركوا عدوا وراءَهم خافوه على أَهلهم ومالهم وخافوه أَن يرجعوا عليهم مع من قصدوه، وزعم قوم أَن المراد الأَقرب نسباً وهو إِن كان أَنسب لقوله " { وأَنذر عشيرتك الأَقربين } "[الشعراء: 214] ولأَنهم أَحق بالبيان ولأَنه هو الواقع، إِذا قاتل قومه ثم سائِر العرب، لكن قبل نزول هذه الآية، إِلا أَن يدعى أَنها نزلت قبل ذلك وجعلت بعد فى براءَة وهذا بعيد { وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً } أَى ولتغلظوا عليهم فيجدوا غلظتكم، فجعل الأَمر بالمسبب واللازم مكان الأَمر بالسبب والملزوم، كقولك: لأَرينك ها هنا، والغلظة الجرأَة عليهم والقسوة والعنف والصبر وعدم الرأَفة { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } بالنصر والحفظ، وذلك عموم، ويجوز أَن يراد المخاطبون، وعليه فمقتضى الظاهر أَن الله معكم.