التفاسير

< >
عرض

وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ
٦٥
-التوبة

تيسير التفسير

{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ } والله لئن سأَلتهم، سؤَال تقرير عن استهزائهم بك وبالقرآن إِذ قالوا فى سيرهم معك إِلى تبوك: انظروا إِلى هذا الرجل يريد أَن يفتح حصون الشام والروم وقصورها، هيهات، هيهات وقالوا: أَيزعم محمد أَنه نزل فى أَصحابنا قرآن وإِنما هو كلامه. فأَخبر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بما قالوا فقال هل قلتم كذا وكذا فقالوا: إنا كنا نخوض ونلعب، كما قال الله عز وجل { لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } ليخف علينا السير ومشاق السفر ولا تكذيب فى قلوبنا، وأَصل الخوض المشى فى مائع أَو مبلول كماءٍ وطين وتلطيخ سواءٌ أَكان فيه أَذى أَم لا، ثم استعمل لكل دخول فيما يكره أَو يحرم، ويبعد أَن يراد بالسؤال القول بدون صيغة استفهام بمعنى قلتم كذا وكذا لأَنه خلاف الظاهر، والسؤال قبل نزول الآية، فهم صلى الله عليه وسلم من قوله عز وجل{ ولئن سأَلتهم } الأَمر بالسؤَال ضمناً فسأَلهم: هل قلتم كذا؟ فقالوا: كنا نخوض ونلعب، فنزل بعد ذلك قوله عز وجل { قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ } لأَنه لو سأَلهم قبل نزول الآية لا يقال إِن سأَلتهم، اللهم إِلا أَن يقال أَن إِن بمعنى إِذا على معنى التجدد، وأَن ذلك عادتهم وحكمة التعبير بها عن إِذا تلويح بأَن جوابهم قبيح ينبغى أَن لا يكون حتى أَن العاقل يشك هل وقع، وهل وقع السؤَال عنه، فجىءَ بإِن التى لا تدل على الوقوع ولا على عدمه لا بإِذا التحقيقية وكأَنه لم يقع سؤال فقيل: إِن وقع وقدم بالله ورسوله للفاصلة وعلى طريق الاهتمام والتعظيم، وللحذر وليلى أَداة الاستفهام الإِنكارى ما به تعلق الإِنكار وهو الله وما بعده لا مطلق الاستهزاءِ. والمعنى أَيحسن بكم أَن لا تكون همتكم إِلا الاستهزاءُ بالله ورسوله على طريق قصر القلب، أَى يجب عليكم أَن تستهزئُوا بالباطل ولا تستهزئُوا بالحق، فصح الحصر، لا كما قيل لا يصح، والاستفهام توبيخ وإِنكار للياقة وآياته القرآن ورسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ووجه ذلك أَن القرآن صريح فى قدرة الله على كل شىءٍ، فتح الروم وغيره، وفى نصره صلى الله عليه وسلم، وأَنكروا ذلك، وقولهم: إِنا كنا إِلخ تصديق لقوله تعالى: ليقولن، فهو معجزة، والإِخبار بما قالوا معجزة كما أَن فتح فارس والروم يكون تصديقاً لإِخباره وإِعجازاً كما روى أَنهم قالوا: ما أَبعد محمداً عن فتح الروم!! وروى أَن اثنين يستهزئان بالقرآن والرسول والثالث يضحك وأَسلم بعد، وروى عن عبدالله ابن عمر أَنه قال رجل فى غزوة تبوك: ما رأَيت مثل قرائنا هؤلاءِ أَرغب بطونا ولا أَكذب أَلسنة ولا أَجبن عند اللقاءِ، فقال رجل: كذبت ولكنك منافق، لأَخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن، وروى أَن القرآن نزل فى ذلك قبل بلوغ المخبر إِليه صلى الله عليه وسلم، قال فأَنا رأَيت الرجل يتعلق بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والحجارة تنكبه وهو يقول: يا رسول الله إِنا كنا نخوض ونلعب.