التفاسير

< >
عرض

وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ
٩٠
آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ
٩١
فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ
٩٢
وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ فَمَا ٱخْتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
٩٣
-يونس

تيسير التفسير

ننجيك ببدنك: نخلص بدنك بعد غرقك ليراه الناس. بوأنا: انزلنا. مبوأ صدق: منزلا صالحا.
في هذه الآيات الثلاث خاتمةُ قصة موسى وأخيه هارون مع فرعون، وما كان من تأييد الله لهما، وقوةِ فرعون وقومه. وكانت دولة الفراعنة من أقوى دول العالم في ذلك الزمان.
{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً }.
ولما أنقذْنا موسى وأخاه من بني اسرائيل وقطعوا البحرَ، تعقَّبَهُم فرعونُ وجنوده للانتقام. فلما دخل بنو اسرائيلَ البحرَ انفلَقَ لهم، فكانت فيه الطرقُ والسبل على قدْرِ عددِ فِرَقِهِم، فساوا فيها آمنين. وأغرى ذلك فرعونَ وجندَه أن يكونوا مِن ورائهم، فلحِقوا بهم. عند ذاك انطبق عليهم البحرُ وكانوا من الغارقين.
ولم يُعرف موضعُ العبور من البحر، ولم يردْ بذلك خبر صحيح.
{ حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ }.
فلما ادرك الغرقُ فرعونَ قال: آمنتُ بالإله الذي يؤمن به بنو اسرائيل، وأنا من المسلمين. ولكن، هيهات! لقد قات الوقت وجاء إيمانك متأخرا.
وهذا ما بيّنه الله تعالى بقوله:
{ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ }.
الآنَ تُقِرّ لله بالعبودية وتستسلم له بالذِلّة، أما قد عصيته من قبلُ؟ بلى، لقد كنتَ من المفسدين في الارض الضالمين للعباد يا فرعون، فإيمانك لن يُقبَل.
{ فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }.
واليومَ نُخرج جثتك من البحر ونعرِضها على الناس لتكونَ عِظَةً وعبرة لمن كانوا يعبُدونك.. ومع كل هذا فإن كثيراً من الناس سيظلّون في غفلة عن البيّنات والأدلة الظاهرة في هذا الكون على قدرتنا.
وقد كان فرعونُ موسى "منفتاح" بن رعميسيس الثاني، وكان خروج بين إسرائيل في أواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد في عهد الاسرة التاسعة عشرة. وقد عُثر على جثة "منفتاح" هذا في قبر "امنحتب الثاني" وهي موجودة الآن في المتحف المصري. وهذا مصداق لقوله تعالى: { فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَة } ولم يكن هذا معروفا لأحدٍ في العالم. إلى ما بعد نزول القرآن بثلاثة عشر قرنا. وهذا اكبر دليل على انه من عند الله. وقد اخبرني الدكتور موريس بوكاي أنه أخذ قطعة من الجثة وحللها فوجد ان صاحب هذه الجثة مات غرقاً. وقد زار الأردن وامضى اسبوعاً وحاضر في الجامعة عن الموضوع نفسه.
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي: "آمنت انه" بكسر همزة انه. والباقون: "أنه" بفتح الهمزة. وقرأ يعقوب: "ننجيك" باسكان النون الثانية. والباقون: "ننجيك" بفتح النون الثانية وكسر الجيم المشددة.
{ وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ }.
ولقد اسكنّاهم منزلاً مُرْضيا في أرض خصبة طيبة، بعيدين عن الظلم الذي كانوا فيه، أغدَقْنا عليهمُ الرزقَ الوافر من جميع الطيبات.
{ فَمَا ٱخْتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }.
ولكنّهم حين ذاقوا نعمةَ العزَّة بعد الهوان تفرّقوا واختلفوا، مع أنهم تعلّموا وتبين لهم الحقُّ والباطل! سيقضي اللهُ بينهم يوم القيامة، ويجازي كلاً منهم بما عمِل.