التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ
٧٧
وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ
٧٨
قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ
٧٩
قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ
٨٠
-هود

تيسير التفسير

سيء بهم: ساءه مجيئهم. وضاق بهم ذعا: تحير ولم يطق هذه المصيبة. الذرع: منتهى الطاقة، يقال: ضاق الامر ذرعا: اذا صعب عليه احتالُه. عصيب: شديد. يُهرَعون اليه: يسرعون. لا تخزوني: لا تخجلوني. رشيد: عاقل. الى ركن شديد: الى من ينصرني من اصحاب النفوذ.
{ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ }.
كان لوط ابنَ أخِ ابراهيم. آمن بنبوّة عمّه وتَبِعه في رحلاته. فكان معه بِمِصْرَ وأغدق عليه ملكُ مصرَ كما اغدق على ابراهيم. فكثُر ملاه ومواشيه. ثم إنه افترقَ عن ابارهيم لأن المكانَ الذي سكنه عمّه لمي عد يتسع لمواشيهما، ونزل سدوم في جنوب فلسطين، وهو المكان الذي فيه البحر الميت الآن.
وقد ذكر لوط في القرآن الكريم سبعا وعشرين مرة في اربع عشرة سورة هي: الانعام، الاعراف، هود، الحجر،الانبياء، الحج، الشعراء، النمل، العنكبوت، الصافات، ص، ق، القمر، التحريم.
وكان أهلُ سَدوم، قوم لوط، ذوي أخلاق دنيئة لا يستحون من منكر، ولا يتعفّفون عن معصية، بل يأتونها علناً على رؤس الاشهاد، كما قال تعالى:
{ { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ } [العنكبوت: 29].
وقد ذكرت قصة لوط بتمامها في عدة سُوَر، وخلاصتها ان قوم لوطٍ كانوا من الشرّ بمكان.. كانوا يقطعون الطريقَ على السابلة، قد ذهب الحياء من وجوههم فلا يستقبحون قبيحا، ولا يَرْغَبون في حَسَن. وكانوا قد ابتدعوا من المنكَرات مالم يسبقهم اليه أحَد، ومن ذلك أنهم يأتون الذكورَ من دون النساء، ولا يرون في ذلك سوءا. وقد وعظَهم لوط ونصحهم ونهاهم وخوَّفهم بأسَ الله فلم يأبهوا له ولم يرتدعوا. فلما ألحّ عليهم بالعِظات والإنذار هدّدوه: تارةً بالرجم، وتارةً بالإخراج، لأنه غريب، الى أن جاءَ الملائكةُ الذين مرّ ذِكرهم. وقد جاءوا الى لوط بهيئةِ غِلمان مُرْدٍ حسانِ الوجوه، فلّما جاءوا على هذه الهيئة تألَم واستاء، واحسّ بضعفٍ عن احتمالِ ضيافتهم وحمايتهم من فساد قومه، وقال: هذا يومٌ شديد، شرُّه عظيم.
{ وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ }.
ولما علم قومُ لوط جاءوا مسرعين اليه، وكانوا معتادين على ارتكاب الفواحش والفُسوق وعملِ السيئات.
{ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ }.
وحاول لوط ردَّهم فقال: يا قوم، هؤلاء بناتي، تزوجوا بهن، ذلك أظهرُ لكم من ارتكاب الفواحش مع الذكور.. اخشوا الله واحذَروا عقابه، و تفضحوني بالاعتداء على ضيوفي، اليس فيكم رجلٌ عاقل سديدُ الرأي يردّكم عن الغيّ والضلال!!
{ قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ }.
فأجابه قومُه بقولهم: أنت تعلم أننا لا نريد النساء كما تعلمُ ما هي رغبتُنا. وأَجمَعُوا أمرَهم على فعلِ ما يريدون من العملِ الخبيث.
عند ذلك تحيرّ لوط، وأَحسّ بضعفه، وهو غريبٌ بينهم، لا عشيرةَ له تحميه، فقال بحزن:
{ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ }.
آه لو كان لي قوة تدفعكم عن بيتي هذا، او ركن شديد أعتمدُ عليه في حماية ضيوفي، ومنعكم من ارتكاب السيئات.
وفي صحيح البخاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وهو يقرأ هذه الآيات يقول:
"يغفرُ الله للوط، أنه كان لَيأوي إلى ركن شديد" .
فلما ضاق الأمر واستحكمت حلقاته، وبلغ الكرب اشده، كشف الرسل عن حقيقة أمرم وأَنهم ملائكة فقالوا:
{ قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ... }.