التفاسير

< >
عرض

وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
١٦٨
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٦٩
وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ
١٧٠
وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
١٧١
-الأعراف

تيسير التفسير

قطعناهم: فرقناهم. امما: جماعات. دون ذلك: منحطون عنهم. بلوناهم: امتحناهم. خلْف بسكون اللام: نسل شرير. الكتاب: التوراة. العرض بفتح الراء: متاع الدنيا وحطامها. الادنى: الدنيا. نتقنا الجبل: رفعناه وابرزناه فوقهم. الظُّلَّة: كل ما يظلل الناس.
تأتي بقية الآيات المدنية الواردة هنا تكملةً لقصة بين اسرائيل بعد موسى، إذ تفرّق اليهود في الأرض جماعاتٍ مختلفة المذاهب، مختلفة المشارب والمسالك، فكان منهم الصالحون وكان منهم دون ذلك، وظلت العناية الإلهية تواليهم بالابتلاءات تارة، وبالنعماء أخرى، علّهم يرجعون الى ربهم ويستقيمون.
وقد فصّل سبحانه عقابهم فذكر بدء إذلالهم بإزالة وحدتهم وتمزيق جمعهم فقال:
{ وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً.... }.
وقد فرّقناهم في الأرض جماعات وجعلنا كل فرقة منهم في قطر، منهم الصالحون وهم الذين آمنوا واستقاموا، ومنهم اناس منحطُّون عن الاتصاف بالصلاح. لقد اختبرناهم جميعا بالنعم والنقم ليتوبوا عما نهوا عنه.
فجاء من بعد الّذين ذكرناهم خَلْفُ سوءٍ ورِثوا التوراةَ من أسلافهم، لكنهم لم يعملوا بها، ولم تتأثّر قلوبهم ولا سلوكهم، وكلما رأَوا عَرَضاً من أعراض الدنيا تهافتوا عليه ثم تأولوا وقالوا: "سيُغفرُ لنا"، فهم مصرون على الذنْب مع طلب المغفرة.
ثم وبَّخهم الله على طلبهم المغفرةَ مع إصرارهم على ما هو عليه فقال: إنّا انفَذْنا عليهم العهدَ في التوراة - وقد درسوا ما فيها - أن يقولوا الحق، فقالوا الباطل.. لم يعقِلوا بعدُ ان نعيم الدار الآخرة الدائم خير من متاع الدنيا الفاني، فقل لهم يا محمد: من العجب ان تستمروا على عصيانكم، افلا تعقلون ان ذلك النعيم خير لكم!؟
وفي هذه إيماء الى ان الطمع في متاع الدنيا هو الذي افسد على بني إسرائيل امرهم. وفيه عبرة للمسلمين الذي سرى إليهم كثير من الفساد، وغلب عليهم حبُّ الدنيا وعرضها الزائل، والقرآن الكريم بين أيديهم لكنهم لا يعملون به بل هم عنه غافلون.
{ وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ... }.
والذين يتمسّكون بالتوراة وأقاموا الصلاة المفروضة عليهم، ويعتصمون بحبله في جميع شئونهم - لن يضيع اجرهم عند الله، لأنهم قد اصحلوا اعمالهم.
ثم ختم الله هذه القصة مذكِّراً بِبَدء حالهم في إنزال الكتاب عليهم عقب بيان مخالفتهم لأمور دينهم حتى بعد أَنْ أخذ الله عليهم الميثاق. وقد ردّ عليهم في قولهم: إن بين اسرائيل لم تصدر منهم مخالفة في الحق، فقال جلّ وعلا:
{ وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ... }.
اذكر لهم أيها النبيّ حين رفعنا الجبل فوق رؤوسهم كأنه غمامة، يؤمئذٍ فزِعوا مما رأوا، إذ ظنوا ان الجبل واقع عليهم، فقلنا لهم: خذوا ما أعطيناكم من هدى التوراة بجد وعزم على الطاعة، وتذكّروا ما فيه لعلّكم تعتبرون وتتهذب نفوسكم بالتقوى. لكن اليهود هم اليهود، فقد نقضوا العهد، ونسوا الله، ولجّوا في العصيان حتى استحقوا غضب الله ولعنته، وحقَّ عليهم القول.