التفاسير

< >
عرض

خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ
١٩٩
وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٢٠٠
إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ
٢٠١
وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ
٢٠٢
وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٢٠٣
-الأعراف

تيسير التفسير

العفو: الذي يأتي من غيرِ كُلفة. ينزغ: يوسوس بالشر. والنزغ: وساوس الشيطان وما يحمل به الإنسانَ على المعاصي. طائفٌ من الشيطان: ما يدور في خيال المرء من وساوس. اجتبيتها: افتعلتها.
جاءت هذه التوجيهات الربانية الى الرسول الكريم وأصحابه، وهم لا يزالون في مكّة المكرمة، وفي مواجهة المشركين فيها ومواجهة الأعراب من حولهم في الجزيرة وأهل الأرض كافة.
يا محمد، خذ العفو الميسَّر الممكِنَ من أخلاق الناس في المعاشرة والصحبة، ولا تطلب منهم ما يشقّ عليهم، واعفُ عن أخطائم وضعفهم. ذلك ان التعامل مع النفوس البشرية بغية هدايتها يقتضي سعةَ صدرٍ، وسماحة طبعٍ، ويسراً وتيسيرا في غير إفراطٍ ولا تفريط في دين الله، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثال الكمال والخلق العظيم.
وامرْ يا محمد بالعُرف، وهو الخير المعروف، والعُرف اسمٌ جامعٌ لك ما عرف من طاعة الله والتقرب اليه والإحسان الى الناس.
وأعرض أيها الرسول الهادي عن الجاهلين، وهم الذين لا تُرجى هدايتهم، إذ قد يكون إهمالهم والإعراض عنهم أجدى في هدايتهم.
روي عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه انه قال: "ليس في القرآن آيةٌ أجمعَ لمكارم الأخلاق من هذه" وقال بعض العلماء: تضمنت هذه الآية قواعد الشريعة، فلم يبق حسنة الا وعتْها، ولا فضيلة الا شَرَحتها.
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس ان عُيَبْنَةَ بن حِصْن، وكان فيه غلظة وجفاء، قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: هِيْ يا ابن الخطاب، أفو اللهِ ما تعطينا الجَزْل، ولا تحكم فينا بالعدل. فغضب عمر، حتى همّ ان يوقع به. فقال له الحُرّ بن قيس: يا امير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه: { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } وهذا من الجاهلين.
قال ابن عباس: والله ما جوزَها عمرُ حين تلاها عليه، كان وقّافاً عند كتاب الله.
وان تعرَّض لك يا محمد من الشيطان وسوسةٌ لصرفِك عما أُمرت، كأن تغضب من لجاجتهم بالشر فاستجرْ بالله يصرفه عنك، إنه سميع لكل ما يقال عليم به.
ثم بيّن الله طريق سلامةِ مَن يستعيذ من الشيطان من الوقوع في المعصيةِ فقال:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ }.
ان اخبار المؤمنين المتقين، إذا ألمَّ بهم من الشيطان وسوسةٌ تذكّروا أن ذاك من إغواء الشيطان عدوِّهم، وعند ذاك يبصرون الحق فيرجعون عن الأخذ بتلك الوسوسة.
هذا حال المتقين. أما اخوان الشياطين من الكفار، فان الشياطين تزيدهم ضلالا بالوسوسة، بذلك فهي تمدهم في غيّهم وافسادهم. ومن ثم تراهم يستمرون في شرورهم وآثامِهم.
واذا لم تأت يا محمد الكفار الذين يعاندونك بآية مما يطلبون، قالوا هلا اختلقتها؟ قل لهم: إنني لا أتّبع الا القرآن الذي يوحي اليّ من ربي، وفيه بصائر وحجج تهديكم الى وجوه الحق والخير، فهو نبع هدى يرشد، ورحمةٍ تغمر المؤمنين وتفيض عليهم البركات.