التفاسير

< >
عرض

سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ
١
-الإسراء

أيسر التفاسير

{ سُبْحَانَ } { ٱلأَقْصَى } { بَارَكْنَا } { آيَاتِنَآ }
(1) - يُمَجِّدُ اللهُ تَعَالَى نَفْسَهُ الكَرِيمَةَ، وَيُنَزِّهُهَا عَنْ شِرْكِ مَنْ أَشْرَكَ، وَيُعَظِّمُ شَأْنَهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَقَدْ أَسْرَى بِعَبْدِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَيْلاً مِنْ مَكَّةَ (المَسْجِدِ الحَرَامِ)، إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ (المَسْجِدِ الأَقْصَى)، وَهُوَ المَسْجِدُ الَّذِي بَارَكَ اللهُ مَا حَوْلَهُ، مِنْ زُرُوعٍ وَثِمَارٍ وَنَبَاتٍ .. لِيُرِيَ عَبْدَهُ مُحَمَّداً، مِنْ آيَاتِهِ العِظَامِ، مَا فِيهِ الدَّلِيلُ القَاطِعُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ، وَهُوَ السَّمِيعُ لأَقْوَالِ العِبَادِ، البَصِيرُ بِأَحْوَالِهِمْ.
(كَانَ الإِسْرَاءُ قَبْلَ خَمْسِ سِنِينَ مِنَ الهِجْرَةِ، فَأَسْرَى اللهُ تَعَالَى بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلى السَّمَاءِ، وِفْقاً لِمَا جَاءَ فِي الأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم).
(وَاخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ حَوْلَ مَا إِذَا كَانَ الإِسْرَاءُ قَدْ تَمَّ بِبَدَنِهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، أَوْ بِرُوحِهِ فَقَطْ. وَأَكْثَرُ الفُقَهَاءِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ بِبَدَنِهِ وَرُوحِهِ، يَقْظَةً لاَ مَنَاماً. وَلَمَّا حَدَّثَ الرَّسُولُ قُرَيْشاً بِإِسْرَائِهِ اسْتَغْرَبُوا ذلِكَ كَثِيراً، وَأَخَذُوا يَسْأَلُونَهُ عَنْ صِفَاتِ بَيْتِ المَقْدِسِ، فَأَخَذَ يَصِفُهُ لَهُمْ، فَقَالُوا: أَمَّا النَّعْتَ فَصَحِيحٌ.
وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَى أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ بِبَدَنِهِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى بَدَأَ السُّورَةَ بِقَوْلِهِ: { سُبْحَانَٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ }، فَالتَّسْبِيحُ إِنَّما يَكُونُ عِنْدَ الأُمُورِ العِظَامِ، فَلَوْ كَانَ الأَمْرُ لَمْ يَتَعَدَّ المَنَامَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَبِيرُ شَيْءٍ، وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَعْظَماً، وَلَمَا ارْتَدَّتْ جَمَاعَةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ عَنِ الإِسْلاَمِ، وَلَمَا بَادَرَتْ قُرَيْشٌ إِلَى تَكْذِيبِهِ، ثُمَّ إِنَّ عِبَارَةَ (عَبْدِهِ) تَدُلُّ عَلَى مَجْمُوعِ الرُّوحِ وَالجَسَدِ. وَقَالَ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى عَنْ هذا الإِسْرَاءِ:
{ { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } وَالبَصَرُ مِنَ آلاَتِ الذَّاتِ لاَ الرُّوحِ.
وَمَنْ آمَنَ بِقُدْرَتِهِ تَعَالَى التِي لاَ حُدُودَ لَهَا، لاَ يَسْتَعْظِمُ أَنْ يُسْرِيَ اللهُ بِرَسُولِهِ مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسْجِدِ الأَقْصَى بِجَسَدِهِ، لأَِنَّ الإِسْرَاءَ بِالنَّبِيِّ بِجَسَدِهِ هُوَ أَمَامَ قُدْرَةِ اللهِ فِي مِثْلِ السُّهُولَةِ التِي يُسْرَى بِهِ بِرُوحِهِ، وَلِذَلِكَ فَلاَ يَسْتَغْرِبْ مُؤْمِنٌ بِاللهِ وُقُوعَ هذا الحَادِثِ).
وَقَدْ جَاءَ فِي كُتُبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ نُبُوءتَانِ لِنَبِيَّيْنِ مِنْ أَنْبِيَائِهِمْ تُشِيرَ أُولاَهُما إِلَى أَنَّ سَيِّدَ الرُّسُلِ أَوْ رَسُولَ اللهِ سَيَزُورُ بَيْتَ المَقْدِسِ (الهَيْكَلَ) فَجْأَةً. وَتَقُولُ الأٌخْرَى إِنَّهُ سَيُعْرَجُ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ لِيَمْثُلَ فِي حِضْرَةِ الرَّبِّ العَظِيمِ لِيَمْنَحَهُ المَجْدَ وَالسُّلْطَانَ لإِبَادَةِ الشِرْكِ مِنَ الأَرْضِ. وَلَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم هَذَا الشَّرَفَ العَظِيمَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ هُوَ المَقْصُودَ بِالنبوءَتَيْنِ.