التفاسير

< >
عرض

إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ
٤٠
-طه

أيسر التفاسير

{ فَرَجَعْنَاكَ } { فَنَجَّيْنَاكَ } { وَفَتَنَّاكَ } { يٰمُوسَىٰ }
(40) - فَلَمَّا اسْتَقَرَّ مُوسَى عِنْدَ آلِ فِرْعَوْنَ، وَعَرَضُوا عَلَيهِ المَرَاضِعَ فَأَبَاهَا، جَاءَتْ أُخْتُ مُوسى، وَقَالَتْ لآلِ فِرْعَوْنَ: هَلْ تُرِيدُونَ أَنْ أَدُلَّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ، وَيُرْضِعُونَهُ؟ فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى أُمِّهَا فَعَرَضَتْ ثَدْيَهَا عَلَى مُوسَى فَأَخَذَهُ، فَفَرِحَ جَمَاعَةُ فِرْعَوْنَ فَرَحاً شَدِيداً، وَاسْتَأْجَرُوهَا لإِرْضَاعِهِ، وَبِذلِكَ قَرَّتْ عَيْنُها، وَاطْمَأَنَّتْ عَلَى سَلاَمَةِ ابْنِهَا، إِذْ أَصْبَحَ مَشْمُولاً بِرِعَايَةِ فِرْعَوْنَ وَزَوْجِهِ.
وَلَمَّا كَبرَ مُوسَى، وَجَدَ قِبْطِيّاً يَتَخَاصَمُ مَعَ إِسْرَائِيلِيٍّ، فَضَرَبَ مُوسَى القِبْطِيَّ بِجُمْعِ يَدِهِ فَقَتَلَهُ. وَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ بِمَقْتَلِهِ، ثُمَّ وَجَدَ ذلِكَ الإِسْرَائِيلِيَّ يَتَخَاصَمُ مَعَ قِبْطِيٍّ آخَرَ فَاسْتَغَاثَ الإِسْرَائِيلِيُّ بِمُوسَى، فَوَبَّخَهُ مُوسَى عَلَى شُرُورِهِ، فَخَافَ الإِسْرَأئيليُّ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مُوسَى، وَقَالَ لَهُ لَعَلَّكَ تُرِيدُ قَتْلِي كَمَا قَتَلْتَ القِبْطِيَّ يَوْمَ أَمْسِ. وَعَلِمَ فِرْعَوْنُ بِأَنَّ مُوسَى هُوَ قَاتِلُ القِبْطِيِّ فَهَرَبَ إِلى مَدْيَنَ. وَلَبِثَ فِيهَا عَشْرَ سِنِينَ يَرْعَى الغَنَمَ فِيهَا لِشُعَيْبٍ.
ثُمَّ لَمَّا انْتَهَى الأَجَلُ سَارَ مُوسَى بِأَهْلِهِ، وَفِي الطَّرِيقِ أَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ رِسَالَتَهُ فِي الوَقْتِ المُقَدَّرِ.
حَدِيثُ الفُتُونِ:
وَسَأَلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍِ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الفُتُونِ الوَارِدِ فِي هذِهِ الآيَةِ فَقَالَ لَهُ:
- أَمَرَ فِرْعَوْنُ بِذَبْحِ الذُّكُورِ مِنَ المَوْلُودِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَانَ رِجَالُهُ يَطُوفُونَ، فَلاَ يَتْرُكُونَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ المَوْجُودِينَ فِي مِصْرَ وَلِيداً ذَكَراً إِلاَّ ذَبُحُوهُ. وَلَمَّا خَافَ الأَقْبَاطُ أَنْ يَفْنَى بَنُو إِسْرَائِيلَ وَلاَ يَبْقَى لِلأَقْبَاطِ مَنْ يَخْدِمُهُمْ، وَيَقُومُ بِالأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ لَدَيْهِمْ، اسْتَقَرَّ رَأْيُ فِرْعَوْنَ عَلَى أَنْ يَذْبَحَ ذُكُورَ الأَطْفَالِ سَنَةً، وَيَتْرُكَهُمْ سَنَةً. وَحَمَلَتْ أُمُّ مُوسَى بِهِ فِي عَامٍ يَذْبَحُ فِيهِ الذَّكُورُ، فَخَافَتْ عَلَيْهِ، فَمَا دَخَلَ عَلَى مُوسَى وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، أَوْ مِمّا يُرَادُ بِهِ هُوَ مِنَ الفُتُونِ.
- ثُمَّ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَخَافَتْ عَلَيهِ فَقَذَفَتْهُ فِي اليَمِّ بِوَحْيٍ مِنَ اللهِ، فَلَمَّا اخْتَفَى عَنْهَا ابْنُهَا وَسْوَسَ لَهَا الشَّيْطَانُ، فَقَالَتْ فِي نَفْسِهَا: مَا صَنَعْتُ بِابْنِي، لَوْ أَنَّهُ بَقِيَ عِنْدِي وَذُبِحَ فِي حِجْرِي لَوَارَيْتُهُ التُّرَابَ، فَذلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَأْكُلَهُ دَوَابُّ البَحْرِ.
- وَلَمَّا التَقَطَهُ جَوَارِي امْرأَةِ فِرْعَوْنَ وَهُوَ فِي التَّابُوتِ حَمَلْنَهُ إِلَيْهَا، فَلَمَّا فَتَحَتْهُ وَنَظَرَتْ إِلَيهِ أَحَبَّتْهُ، بِوَحْيٍ مِنَ اللهِ، مَحَبَّةً كَبِيرَةً. وَجَاءَهَا الذَّبَّاحُونَ لِيَذْبَحُوا مُوسَى، وَذَلِكَ مِنَ الفُتُونِ.
- فَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ اتْرُكُوهُ حَتَّى آتِيَ فِرْعَوْنَ فَأَسْتَوْهِبُهُ إِيَّاهُ، فَإِنَّ هَذا الوَاحِدَ لاَ يَزِيدُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنْ وَهَبَهُ لِي كُنْتُمْ قَدْ أَحْسَنْتُمْ، وَإِنْ أَمَرَ بِذَبْحِهِ لَمْ أَلُمْكُمْ، فَأَتَتْ فِرْعَوْنَ فَقَالَتْ: قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكْ. فَقَالَ فِرْعَوْنُ: قُرَّةُ عَيْنٍ لَكِ، أَمَّا أَنَا فَلاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ.
- ثُمَّ عَرَضَتْهُ عَلَى المَرَاضِعِ فَأَبَاهَا، وَأَصْبَحَتْ أُمُّ مُوسَى وَالِهاً فَقَالَتْ لابْنَتِهَا قُصِّي أَثَرَهُ فَبَصُرَتْ بِهِ أُخْتُهُ فَعَرَفَتْهُ، وَلَمَّا عَرَفَتْ أَنَّهُ رَفَضَ الرَّضَاعَ مِنَ المُرْضِعَاتِ، تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِمْ، فَقَالَتْ: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ؟ فَقَالُوا وَمَا يُدْرِيكَ مَا نُصْحُهُمْ لَهُ؟ هَلْ تَعْرِفِينَهُ؟ حَتَّى شَكُّوا فِي أَمْرِهَا، وَذلِكَ مِنَ الفُتُونِ.
- ثُمَّ وَجَدَ مُوسَى رَجُلاً إِسْرَائِيلِيّاً يَتَخَاصَمُ مَعَ قَبْطِيٍّ فَاسْتَغَاثَ الإِسْرَائِيلِيُّ بِمُوسَى فَقَتَلَ القَبْطِيَّ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ مَنْ قَتَلَهُ، فَخَافَ مُوسَى عَلَى نَفْسِهِ. ثُمَّ وَجَدَ مُوسَى ذَلِكَ الإِسْرَائِيلِيَّ يَتَخَاصَمُ مَعَ قِبْطِيٍّ آخَرَ، فَاسْتَاءَ مُوسَى مِنْ فِعْلِ الإِسْرَائِيلِيِّ، فَقَالَ لَهُ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ. فَخَافَ الإِسْرَائِيلِيُّ أَنْ يَقْتُلَهُ مُوسَى، فَقَالَ لَهُ: أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ؟ فَعَرَفَ القِبْطِيُّ أَنَّ مُوسَى هُوَ الذِي قَتَلَ القِبْطِيَّ الآخَرَ، فَذَهَبَ إِلَى فِرْعَوْنَ يُعْلِمُهُ بِمَا سَمِعَ، فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ بِذَبْحِ مُوسَى، وَأَرْسَلَ الذَّبَّاحِينَ يَبْحَثُونَ عَنْهُ، وَسَمِعَ رَجُلٌ مِنْ شِيعَةِ مُوسَى بِمَا أَمَرَ بِهِ فِرْعَوْنُ، فَأَسْرَعَ إِلى مُوسَى يُخْبِرُهُ بِمَا أَمَرَ بِهِ فِرْعَوْنُ، فَهَرَبَ مُوسَى إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ، وَهذا مِنَ الفُتُونِ أيْضاً.
وَبَقِيَ مُوسَى عَدداً مِنَ السِّنينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ يَرْعَى الغَنَمَ لِصِهْرِهِ، حَتَّى انْقَضَتِ المُدَّةُ التِي اتَّفَقَا عَلَيْهَا، ثُمَّ جَاءَ فِي الوَقْتِ الذِي قَدَّرَهُ اللهُ وَأَرَادَتْهُ مَشِيئَتُهُ تَعَالَى، مِنْ غَيْرِ مِيعَادٍ، لِيَجْعَلَهُ رَسُولاً.
مَنْ يَكْفُلُهُ - مَنْ يَضُمُّهُ إِلَيْهِ وَيُرَبِّيهِ.
تَقَرَّ عَيْنُها - تُسَرَّ بِلِقَائِكَ.
فَتَنَّاكَ فُتُوناً - خَلَّصْنَاكَ مِنَ المِحَنِ تَخْلِيصاً.
جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ - عَلَى وَفْقِ الوَقْتِ المُقَدَّرِ لِرِسَالَتِكَ.