التفاسير

< >
عرض

كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ
١٥١
فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ
١٥٢
يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ
١٥٣
وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ
١٥٤
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ
١٥٥
ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
١٥٦
أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ
١٥٧
-البقرة

صفوة التفاسير

المنَاسَبَة: بدأت الآيات الكريمة بمخاطبة المؤمنين، وتذكيرهم بنعمة الله العظمى عليهم، ببعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم، بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن بني إِسرائيل، وذكرت بالتفصيل نعم الله عليهم التي قابلوها بالجحود والكفران فيما يزيد على ثلث السورة الكريمة، وقد عدّد القرآن الكريم جرائمهم ليعتبر ويتعظ بها المؤمنون، ولما انتهى الحديث عن اليهود بعد ذلك البيان الواضح جاء دور التذكير للمؤمنين بالنعم الجليلة والتشريعات الحكيمة التي بها سعادتهم في الدارين.
اللغَة: { ٱلْكِتَابَ } القرآن العظيم { ٱلْحِكْمَةَ } السنّة النبوية { فَٱذْكُرُونِيۤ } أصل الذكر التنبه بالقلب للمذكور، وسُمّي الذكر باللسان ذكراً لأنه علامة على الذكر القلبي { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ } أصل البلاء المحنة، ثم قد يكون بالخير أو بالشر
{ { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْر فِتْنَةً } [الأنبياء: 35] { مُّصِيبَةٌ } المصيبة: كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه في نفسه أو ماله أو ولده { صَلَوَاتٌ } الأصل في الصلاة الدعاء وهي من الله بمعنى الرحمة ومن الملائكة بمعنى الاستغفار.
التفسِير: { كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ } الكلام متعلق بما سبق في قوله
{ { وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي } [البقرة: 150] والمعنى كما أتممت عليكم نعمتي كذلك أرسلت فيكم رسولاً منكم { يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا } أي يقرأ عليكم القرآن { وَيُزَكِّيكُمْ } أي يطهركم من الشرك وقبيح الفعال { وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } أي يعلمكم أحكام الكتاب المجيد، والسنة النبوية المطهرة { وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } أي يعلمكم من أمور الدنيا والدين الشيء الكثير الذي لم تكونوا تعلمونه { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } أي اذكروني بالعبادة والطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة { وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } أي اشكروا نعمتي عليكم ولا تكفروها بالجحود والعصيان، روي أن موسى عليه السلام قال: يا رب كيف أشكرك؟ قال له ربه: "تذكرني ولا تنساني، فإِذا ذكرتني فقد شكرتني، وإِذا نسيتني فقد كفرتني" ثم نادى تبارك وتعالى عباده المؤمنين بلفظ الإِيمان ليستنهض هممهم إِلى امتثال الأوامر الإِلهية، وهو النداء الثاني الذي جاء في هذه السورة الكريمة فقال { يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ } أي استعينوا على أمور دنياكم وآخرتكم بالصبر والصلاة، فبالصبر تنالون كل فضيلة، وبالصلاة تنتهون عن كل رذيلة { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } أي معهم بالنصر والمعونة والحفظ والتأييد { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ } أي لا تقولوا للشهداء إنهم أموات { بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } أي بل هم أحياءٌ عند ربهم يرزقون ولكن لا تشعرون بذلك لأنهم في حياةٍ برزخية أسمى من هذه الحياة { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ } أي ولنختبرنكم بشيءٍ يسير من ألوان البلاء مثل الخوف والجوع، وذهاب بعض الأموال، وموت بعض الأحباب، وضياع بعض الزروع والثمار { وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } أي بشر الصابرين على المصائب والبلايا بجنات النعيم ثم بيّن تعالى تعريف الصابرين بقوله { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ } أي نزل بهم كرب أو بلاء أو مكروه { قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } أي استرجعوا وأقروا بأنهم عبيد لله يفعل بهم ما يشاء { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } أي أولئك الموصوفون بما ذكر لهم ثناء وتمجيد ورحمة من الله، وهم المهتدون إِلى طريق السعادة.
البَلاَغَة: 1- بين كلمتي { أَرْسَلْنَا } و { رَسُولاً } جناس الاشتقاق وهو من المحسنات البديعية.
2- قوله { وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } بعد قوله { وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } هو من باب ذكر العام بعد الخاص لإِفادة الشمول ويسمى هذا في البلاغة بـ (الإِطناب).
3- { أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ } فيه إِيجاز بالحذف أي لا تقولوا هم أموات بل هم أحياء (وبينهما طباق).
4- التنكير في قوله { بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ } للتقليل أي بشيء قليل.
5- { صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } التنوين فيهما للتفخيم، والتعرض بعنوان الربوبية مع الإِضافة إِلى ضميرهم { رَّبِّهِمْ } لإِظهار مزيد العناية بهم.
6- { هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } صيغة قصر وهو من نوع قصر الصفة على الموصوف.
الفوَائِد: الأولى: روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "ما أصابتني مصيبة إِلا وجدتُ فيها ثلاث نعم: الأولى: أنها لم تكن في ديني، الثانية: أنها لم تكن أعظم مما كانت، الثالثة: أن الله يجازي عليها الجزاء الكبير ثم تلا قوله تعالى: { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ }".
الثانية: قال صلى الله عليه وسلم
"إِذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون نعم، فيقول: فماذا قال عبدي؟ فيقولون حَمِدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسمُّوه بيتَ الحمد" .