التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٩
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٠
-يونس

مختصر تفسير ابن كثير

هذا إخبار عن حال السعداء الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، وامتثلوا ما أمروا به، فعملوا الصالحات، بأنه سيهديهم بإيمانهم، أي بسبب إيمانهم في الدنيا يهديهم الله يوم القيامة على الصراط المستقيم حتى يجوزوه ويخلصوا إلى الجنة، ويحتمل أن تكون للاستعانة، كما قال مجاهد في قوله: { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } قال: يكون لهم نوراً يمشون به، وقال ابن جريج: في الآية يمثل له عمله في صورة حسنة إذا قام من قبره يبشره بكل خير، فيقول له: من أنت؟ فيقول: أن عملك، فيجعل له نوره من بين يديه حتى يدخله الجنة، فذلك قوله تعالى: { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } والكافر يمثل له عمله في صورة سيئة وريح منتنة، فيلزم صاحبه حتى يقذفه في النار.
وقوله تعالى: { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي هذا حال أهل الجنة، قال ابن جريج: أخبرت أنه إذا مر بهم الطير يشتهونه قالوا: سبحانك اللهم، وذلك دعواهم فيأتيهم الملك بما يشتهونه، فيسلم عليهم فيردون عليه، فذلك قوله: { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } قال: فإذا أكلوا حمدوا الله ربهم، فذلك قوله: { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }، وقال مقاتل: إذا أراد أهل الجنة أن يدعوا بالطعام قال أحدهم: { سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ } قال: فيقوم على أحدهم عشرة آلاف خادم مع كل خادم صحفة من ذهب فيها طعام ليس في الأخرى، قال: فيأكل منهن كلهن، وهذه الآية فيها شبه من قوله:
{ { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ } [الأحزاب: 44]، وقوله: { { إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً } [الواقعة: 26]، وقوله: { { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [يس: 58]، وقوله: { { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [الرعد: 23-24] الآية، وقوله: { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } فيه دلالة على أنه تعالى هو المحمود أبداً، المعبود على طول المدى، ولهذا حمد نفسه عند ابتداء خلقه، وفي ابتداء كتابه، وعند ابتداء تنزيله، حيث يقول تعالى: { { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ } [الكهف: 1]، { { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } [الأنعام: 1] إلى غير ذلك من الأحوال التي يطول بسطها وأنه المحمود في الأولى والآخرة في جميع الأحوال، ولهذا جاء في الحديث: "إن أهل الجنة يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس" ، وإنما يكون ذلك كذلك لما يرون من تزايد نعم الله عليهم، فتكرر وتعاد وتزداد، فليس لها انقضاء ولا أمد، فلا إلـٰه إلا هو ولا رب سواه.