التفاسير

< >
عرض

فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ
٤٧
يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ
٤٨
-إبراهيم

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى مقرراً لوعده ومؤكداً { فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ } أي من نصرتهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، ثم أخبر تعالى أنه ذو عزة لا يمتنع عليه شيء أراده ولا يغالب، وذو انتقام ممن كفر به وجحده، { { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [الطور: 11]، ولهذا قال: { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ } أي وعده هذا حاصل يوم تبدل الأرض غير الأرض، كما جاء في الصحيحين، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد" ، وقال الإمام أحمد، "عن عائشة أنها قالت: أنا أول الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ } قالت: قلت: أين الناس يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: على الصراط" . وقال الإمام مسلم بن الحجاج في "صحيحه" "عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت قائماً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه حبر من أحبار يهود فقال: السلام عليك يا محمد، فدفعته دفعة كاد يصرع منها، فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول يا رسول الله؟ فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي، فقال اليهودي: جئت أسألك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينفعك شيئاً إن حدثتك؟ فقال: أسمع بأذني، فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معه، فقال: سل، فقال اليهودي: أن يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم في الظلمة دون الجسر، قال: فمن أول الناس إجازة؟ فقال: فقراء المهاجرين، فقال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد النون، قال: فما غذاؤهم في أثرها؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها، قال: فما شرابهم عليه؟ قال: من عين فيها تسمى سلسبيلاً، قال صدقت. قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان، قال: أينفعك إن حدثتك؟ قال: أسمع بأذني، قال جئت أسألك عن الولد، قال: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعنا فعلا منيّ الرجل منيّ المرأة كان ذكراً بإذن الله تعالى، وإذا علا منيّ المرأة منيّ الرجل كان أنثى بإذن الله، قال اليهودي: لقد صدقت، وإنك لنبي، ثم انصرف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه وما لي علم بشيء منه حتى أتاني الله به" .
وروى أبو جعفر بن جرير الطبري، عن عمرو بن ميمون يقول: { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } قال: أرض كالفضة البيضاء نقية، لم يسفك فيها دم، ولم يعمل عليها خطيئة، ينفذهم البصر، ويسمعهم الداعي حفاة عراة كما خلقوا، قال، أراه قال قياماً حتى يلجمهم العرق، وعن عمرو بن ميمون عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عزّ وجلّ { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } قال: "أرض بيضاء لم يسفك عليها دم، ولم يعمل عليها خطيئة" . وقال الربيع عن أُبي بن كعب قال: تصير السماوات جناناً. وقال الأعمش، عن عبد الله بن مسعود: الأرض كلها نار يوم القيامة، والجنة من ورائها ترى أكوابها وكواعبها، والذي نفس عبد الله بيده إن الرجل ليفيض عرقاً حتى ترشح في الأرض قدمه، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه، وما مسه الحساب، قالوا: ممَ ذلك يا أبا عبد الرحمٰن؟ قال مما يرى الناس ويلقون. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أَنس عن كعب في قوله: { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ } قال: تصير السماوات جناناً ويصير مكان البحر ناراً وتبدل الأرض غيرها. وقوله: { وَبَرَزُواْ للَّهِ } أي خرجت الخلائق جميعها من قبورهم لله { ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } أي الذي قهر كل شيء وغلبه، ودانت له الرقاب وخضعت له الألباب.