التفاسير

< >
عرض

لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً
١١٤
وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً
١١٥
-النساء

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى: { لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ } يعني كلام الناس { إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } أي إلا نجوى من قال ذلك كما جاء في الحديث الذي رواه ابن مردويه عن أم حبيبة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا ذكر الله عزَّ وجلَّ؛ أو أمر بمعروف؛ أو نهي عن منكر" ، وفي الحديث: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً؛ أو يقول خيراً" ، وقال الإمام أحمد عن أبي الدرداء قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام، والصلاة، والصدقة قالوا بلى يا رسول الله قال: إصلاح ذات البين قال: وفساد ذات البين هي الحالقة" ورواه أبو داود والترمذي، { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ } أي مخلصاً في ذلك محتسباً ثواب ذلك عند الله عزَّ وجلَّ { فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } أي ثواباً جزيلاً كثيراً واسعاً.
وقوله تعالى: { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ } أي ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم فصار في شق، والشرع في شق وذلك عن عمد منه، بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح له، وقوله: { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } هذا ملازم للصفة الأولى، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية، فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقاً، فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ، تشريفاً لهم وتعظيماً لنبيهم، وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك. ومن العلماء من ادعى تواتر معناها، والذي عول عليه الشافعيرحمه الله في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة بعد التروي والفكر الطويل، وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدلالة منها على ذلك ولهذا توعد تعالى على ذلك بقوله: { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } أي إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسنها في صدره ونزينها له استدراجاً له كما قال تعالى:
{ { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [القلم: 44]. وقال تعالى: { { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [الصف: 5] وقوله: { { وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [الأنعام: 110] وجعل النار مصيره في الآخرة لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة كما قال تعالى: { { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } [الصافات: 22] الآية وقال تعالى: { { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً } [الكهف: 53].