التفاسير

< >
عرض

تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَٰفِرِينَ
١٠١
وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ
١٠٢
-الأعراف

مختصر تفسير ابن كثير

لما قص تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم خبر قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وما كان من إهلاكه الكافرين وإنجائه المؤمنين وأنه تعالى أعذر إليهم بأن بين لهم الحق بالحجج على ألسنة الرسل صلوات الله عليهم أجمعين، قال تعالى: { تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ } أي يا محمد { مِنْ أَنبَآئِهَا } أي من أخبارها، { وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي الحجج على صدقهم فيما أخبروهم به، كما قال تعالى: { { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء: 15]، وقال تعالى: { { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ } [هود: 100]، وقوله تعالى: { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ } الباء سببية أي فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل بسبب تكذيبهم بالحق أول ما ورد عليهم، كقوله: { { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [الأنعام: 109]، ولهذا قال هنا: { كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَافِرِينَ * وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم } أي لأكثر الأمم الماضية { مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ } أي ولقد وجدنا أكثرهم فاسقين، خارجين عن الطاعة والامتثال. والعهد الذي أخذه هو ما جبلهم عليه وفطرهم عليه، وأخذ عليهم في الأصلاب أنه ربهم ومليكهم، فخالفوه وتركوه وراء ظهورهم، وعبدوا مع الله غيره بلا دليل ولا حجة، لا من عقل ولا شرع.
قال تعالى:
{ { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [الزخرف: 45]؟ وقال تعالى: { { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ } [النحل: 36]. إلى غير ذلك من الآيات، وقد قيل في تفسير قوله تعالى: { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ }، عن أبي بن كعب قال: كان في علمه تعالى يوم أقروا بالميثاق، أي فما كانوا ليؤمنوا لعلم الله منهم ذلك، واختاره ابن جرير، وقال السدي: { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ } قال: وذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرهاً. وقال مجاهد في قوله: { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ }، هذا كقوله: { { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ } [الأنعام: 28] الآية.